رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نحو المستقبل

أعجب ممن فاجأهم المقال السابق عن حقيقة الحب الأفلاطونى، فلقد علق البعض متسائلا ماعلاقة الحب بالفضيلة وماعلاقتهما معا بالمعرفة؟!

وفى يقينى أن من فوجئوا وغيرهم لم يشغلهم يوما التساؤل عن حقيقة الانسان وعن جدوى وجوده فى هذه الحياة؛ فقد خلق الانسان متميزا بعقل متأمل أو هكذا ينبغى أن يكون، حيث تميز الانسان عن باقى مخلوقات الله بهذا العقل القادر على معرفة حقيقة الوجود وتفسير ظواهره، ومن ثم فلو لم يُعمل الانسان عقله مفكرا فيما حوله لما كان انسانا، وفرق كبير بين ما يتصوره البعض عملا للعقل وبين ما ينبغى أن يكون كذلك؛ فالكثيرون منا يتصورون أنه ما ان استطاع الانسان تدبير أمور حياته العملية ونجح فيها يكون قد استنفد أغراضه فى هذا الوجود وتناسوا أن كل ما حولنا من كائنات حية أخرى تدبر أمور حياتها العملية بما تملك من غرائز من أصغر الكائنات حتى أضخمها. ولنأخذ المثل من مجتمع النمل وكيف يدبر حياته ويعمل ليل نهار على تخزين مؤونة الشتاء خلال فصل الصيف، ومن مجتمعات الطيور التى تغدو خماصا وتعود بطانا، والكل من أفراد هذه الجماعات يحافظ على ذرياته واستمرارية الوجود فى الحياة وترعى صغارها وتحمي مقرات اقامتها وتدافع عن وجودها... الخ. فهل قيام الانسان بذلك هو غاية وجوده فى الحياة أم أن له غاية أخرى؟! هذا هو السؤال الذى شغل الفلاسفة فى كل العصور، وقد توصلوا إلى أن غاية غايات الانسان هى السعادة وأن السعادة الحقيقية له تكمن فى كشف واكتشاف حقيقة الوجود. وبالطبع فقد يعترض البعض هنا قائلين: إن سعادتنا القصوى فى أن نحيا حياة اللذة أو أن نجمع أكبر قدر من المال لنلبى به كل مطالبنا الحسية! ولو تمعن المرء منا هذه التصورات للسعادة لوجدها تركز على مطالب الانسان الحسية وتتغافل عن كونه الكائن المميز بالعقل فهل يُسخر الانسان قدراته العقلية فقط لتلبية مطالبه الحسية، واذا كان ذلك كذلك فهل يرضى لنفسه أن يظل فى مرتبته الحيوانية الشهوانية دون أن يتجاوزها ليحقق انسانيته؟!!

لا شك أن تحقيق هذه المطالب الحسية ضرورة من ضرورات الحياة الانسانية لكنها لم تكن ولا ينبغى أن تكون هى شغله الشاغل والوحيد فى حياته، لأنه كما يمتلك ذلك العقل العملى الذى يمكنه من تدبير أمور حياته العملية وتحقيق مطالبه الجسدية، يمتلك عقلا نظريا ينبغى أن يتوفر له الوقت ليعمل ويمارس مهارات التأمل والبحث العلمى فى ظواهر الطبيعة وحقيقة الوجود. إنه لولا هذا العقل التأملى ما استطاع الانسان أن يطور حياته ويصنع حضارته ولما استطاع أن يحقق أى تقدم! إنه لولا هذا العقل التأملى ما عرف الانسان حقيقة وجوده ولا حقيقة وجود الله الخالق! ومن ثم نعود للسؤال: هل فضائل الحياة العملية وممارستها هى الأهم أم ممارسة فضيلة التأمل النظرى لإدراك حقيقة ظواهر الوجود وجوهره؟! إن الفلاسفة لا ينكرون علينا فضائلنا العملية مثل الشجاعة والكرم والحب والصدق والأمانة وغيرها، فبهذه الفضائل تنصلح حياتنا الاجتماعية والسياسية ،لكنهم يلفتون انتباهنا إلى أن ثمة ما هو أهم وهو ما به تتحقق ماهية الانسان على الأصالة والغاية القصوى لوجوده، ألا وهو فضيلة التأمل النظرى التى يرتقى بفضلها الانسان ويحقق من خلالها أسمى وظائفه وأكمل صور سعادته القصوى. وما أجمل أن يدرك الانسان ارتباط وجوده فى هذه الحياة المؤقتة بوجود الله موجد كل الوجود والموجودات. ومن ثم فلا ينبغى أن نعجب حينما يقول أفلاطون إن أسمى مراتب الحب، بل الحب الحقيقى هو حب المعرفة، هو حب ادراك الحقيقة. وأن أسمى صور العلاقة بين البشر هى ما يتصل بذلك. ولا عجب فى أن يقول فلاسفة الأخلاق إن اللذة الحقيقية الدائمة هى لذة ادراك الحقيقة وأن يقول دعاة المعرفة الصوفية إن أسمى صور الحب هو حب الله والفناء فيه وإن أسمى صور الحب بين البشر هو « الحب فى الله»..

[email protected]