رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

عطر الأحباب

 

 

فيلسوف شعبى فى زمان رديء مختل، حيث الضياع والاتهام بالجنون لمن يسعى إلى التعايش مع معطيات الواقع غير السوى. فلسفته البسيطة العميقة مستمدة من نبض الشارع الصاخب الحافل بالغرائب والعجائب، خالية من المصطلحات المعقدة وكوابيس التنظير. نجاح الموجى «1945-1998» صوت الحرافيش المرهقين المقهورين فى سنوات الغضب والتيه والإحباط، تلك التى تطول وتتوحش وتبدو بلا نهاية.

سنوات لا تزيد إلا قليلا على العشر من الإبداع السينمائى المتميز، ومحصول هائل يتيح له مكانة جديرة بالاحترام وطول البقاء. مدرسة خاصة فى الأداء، وتفرد فى التعبير عن ساكنى القاع المحاصرين بالتحديات والهموم. كثيرة هى أدواره المتوهجة التى تخطف العيون وتسكن القلوب، وعظيم سحر تأثيره على من يتوحدون معه ويندمجون فى عالمه المعجون بالصدق والبساطة والكوميديا السوداء.

مصطفى، سيد العقلاء، نزيل مستشفى الأمراض العقلية باختياره فى «أيام الغضب». يسرق «الهبيشة» من كبار اللصوص، ويدفع الموظف الصغير الثمن عبر تهمة ملفقة. يتألق نجاحه فى الدور المركب متعدد المستويات، ويجمع أداؤه بين المرح والمرارة، أما أسلوبه فى الغناء فيتجاوز الكلمات ويضيف إليها، ذلك أن الجسد والوجه يتحالفان مع الصوت للتعبير عن عمق المأساة.

تتكرر ثنائية السجن والجنون فى «التحويلة». عامل التحويلة حلمى أمين عبد السيد مواطن صالح مسالم، يكتب الزجل ويتغنى به على الرغم من جهله بالقراءة والكتابة. رب أسرة فقيرة، ويحلم بمستقبل أفضل لابنه وابنته. لا شيء يباهى به أكثر من علاقته العابرة مع ضابط شاب، لكن الضابط لا يتورع عن اعتقاله ليكون بديلا عن السجين الهارب من سيارة الترحيلات، وعندئذ يتحول اسمه إلى حسين الغمراوى، وتُسلب هويته ويُمحى تاريخه. التحول ورقيا من المسيحية إلى الإسلام جزء من المفارقة، والكارثة الحقيقية هى سهولة التضحية بالعاديين من ساكنى القاع لإنقاذ السادة أبناء السادة، وهو الموقف نفسه الذى يواجهه مصطفى، حيث تلفيق التهمة قربانا لكبار اللصوص.

عبد الله فى «الحريف» من سكان السطوح الذين يكابدون الفقر ويصارعونه ويتعرضون للهزيمة فى الصراع غير المتكافىء. زوجة وأبناء وبطالة متكررة وأزمات لا تتوقف. الشر ليس أصيلا، فهو وديع مسالم، والحيثيات التى يقدمها لتبرير جريمته مقنعة مسكونة بالصدق.

عباس المر فى «المساطيل» قاتل ومدمن مخدرات. معاناة مدمرة من البطالة والتشرد، وتخبط فى دروب الحياة الوعرة، فكيف لا ينتهز الفرصة المواتية ويلقى شباكه لاصطياد زوجة تاجر المخدرات بعد سجنه؟.

يتوهج نجاحه عندما يذوب فى شخصية المنكسر المرتعش عبد الله، ولا يقل توهجه وهو يعايش بإخلاص وإتقان مدروس عالم «الفهلوي» عباس. تشعر فى حضرته بأنه قادم لتوه من حارة الحرافيش التى يجمع أبناؤها بين تحمل ضربات القهر والبراعة فى التحايل.

يصل نجاحه فى «الكيت كات» إلى آفاق جديدة عالية من التحقق والإبداع. الهرم تاجر مخدرات شعبى كما ينبغى أن يكون تاجر المخدرات الشعبى، وكل ما فيه يوحى بالمعايشة العميقة التى تتجلى فى ملابسه ولغته واستيعاب ملامح التكوين النفسى للمهنة التى يجمع محترفها بين الشهامة والغدر والذكاء الحاد، فى تناغم وتجانس بلا نشاز.

أحمد السريع، فى «أربعة فى مهمة رسمية»، شخصية لا تُنسى، ويطول الحديث عن مكانة الممثل القدير فى المسرح والدراما التليفزيونية، وهو فى السينما علامة مضيئة يزداد بريقها لمعانا بكرور السنين. صديق مقرب لمشاهديه كأنه يجالسهم فى قهوة شعبية. يحبونه لأنه واحد منهم، لا يكذب ولا يخدع ولا يتعالى، ولا ينسى قبل مغادرة القهوة أن يودعهم ضاحكا باكيا:

دنيا بتدى للهبيش

ويا عينى علينا يا حرافيش

نشقى عشان حبة ملاطيش

ما يكفوش العيش والشاي»

.. لكن المجد للحرافيش.