رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

أشرنا فى مقالنا السابق إلى معنى الخرافة وأسباب انتشارها فى مجتمعاتنا، وفى هذا المقال نتوقف عند أهم عوامل تجذر الذهنية الخرافية فى ثقافتنا، ونعنى بذلك تدنى وفساد النظام التعليمى بكافة مستوياته، والذى أدى إلى تراجع مستوى الخطاب التعليمى وتفشى التفكير الغيبى والخرافى بين معظم شرائح المتعلمين من خريجى الجامعات وحملة الماجستير والدكتوراه، ويبدو أن جزءًا كبيرًا من المشكلة يرتبط بالبعد التربوى للإنسان العربى الذى يتعرض منذ بداية طفولته لتأثير الأم الجاهلة، التى تتأثر من خلال وضعيتها المقهورة بكافة أنماط التفكير الخرافى وتتسلط عليها معتقدات خارقة مثل تأثير الجن والشياطين والسحرة فى تسيير شئون حياتها وحياة من يشاركونها الوجود.

وموطن الخطورة هنا يكمن فى أن الأم تنقل هذه الأفكار إلى طفلها، مما يجعل نظرته إلى العالم منذ البداية خرافية لا علمية، وليست الأم فقط هى التى تغرس وتؤصل تلك الذهنية المتخلفة فى أعماق الطفل، بل أيضًا المناخ الحياتى العام الذى يسير مقاديره رجال الدين، والذى تتفشى فيه الأفكار البالية والممارسات البدائية والنظرة الخرافية الغيبية من غول وجن وأشباح وأرواح، ونادرًا ما يجيب المناخ المحيط عن تساؤلات الطفل فى مراحل سنينه الأولى حول أسرار الوجود وقوانين ظواهره المختلفة إجابة علمية ترضيه. هناك ما يشبه المؤامرة المستمرة من الكبار على الصغار من خلال الكذب والتخويف والإجابات المبهمة الغامضة المخيفة على تساؤلاتهم الحائرة.

هذا المناخ الخرافى والخوافى وما يرتبط به من ممارسات غير علمية وغيبية يحمله معه الطفل إلى المدرسة، وتزداد المشكلة لأن المدرسة ببرامجها العتيقة التقليدية لا تستطيع أن تقتلع هذه الأفكار والممارسات من أدمغة الأطفال، بل غالبًا ما تؤكدها وترسخها وتعززها.

(ينطبق هذا المعنى بصورة حرفية على معظم المدارس فى مصر، خاصة المدارس الحكومية) وفى أحسن الحالات تمتزج المعلومات الملقنة بالأفكار الخرافية الأسطورية، أو أنها تأتى لتشكل قشرة خارجية زائفة ريثما تسقط مع أول اختبار أمام الأزمات الحياتية، بينما تظل التجربة الخرافية للوجود متأصلة فى الأعماق. ما زال التعليم فى مختلف مراحله وبشكل إجمالى سطحيًا فى معظم البلدان النامية فى مناهجه ومحتوياته. طرق التعليم مازالت تلقينية تذهب فى اتجاه واحد من المعلم الذى يعرف كل شىء، ويقوم بالدور النشط الفعال إلى التلميذ الذى يجهل كل شىء، ويتخذ دور المتلقى السلبى دون أن يشارك أو يمارس أو يفكر أو يناقش، فهو فى أحسن الأحوال مجرد ذاكرة تُحفظ العلم دون أن تستوعبه وتتلقى المعرفة دون أن تبدعها.

إن هذا النظام التعليمى المتدنى هو المسئول عن اغتراب العلم وانفصاله عن الحياة اليومية فى المجتمعات الفقيرة والنامية التى لا يعدو أن يكون العلم فيها قميصًا أو معطفًا يرتديه الإنسان حين يُلقى محاضرة أو يدخل مختبرًا ويخلعه فى سائر الأوقات الأخرى.

إن المنهج التلقينى فى التعليم ليس له سوى نتيجة واحدة هى: تنمية الذاكرة على حين تبقى ملكة الخيال عاجزة ومعطلة، وهذا الأمر من شأنه أن يُشكل ذهنية غير مبدعة تميل إلى السهل من الأفكار وإلى الاتباع لا الإبداع، وتعتمد على التقليد. والتقليد هو أحد العوائـق الأساسية التى تقف حائلًا دون إمكان تحرر الـعقل، فالارتكان إلى التقليد ما هو إلا ضرب من ضروب الكسل العقلى المضاد لكل من المعرفة والعلم والتطور.