رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

عطر الأحباب

قلائل هن الممثلات المصريات القادرات على صناعة البهجة والمرح، وإذا كانت زينات صدقى هى العلامة الأبرز فى خمسينيات القرن العشرين، فإن نعيمة الصغير «1931-1990» هى من تقوم بالدور نفسه فى الثمانينيات. التمثيل أمامها عبء ثقيل، ذلك أنها تشبه قطاراً خارق السرعة يدهس عند انطلاقه كل من يواجهه.

الكاميرا تحبها وتنحاز إليها ولا تريد أن ترى أحداً سواها. طلتها كفيلة بجذب الأنظار والقلوب، فإن تكلمت أو تهيأت للكلام يطغى حضورها فتسيطر وتهيمن، وعملية الإزاحة هذه تمنح الرائعة نعيمة سلطة وسلطاناً، لكنها سخية معطاءة لا تضن على المحيطين بها.

إنها طاقة كوميدية فاحشة الثراء، ومن علامات تفردها أنها لا تحتاج إلى المواقف المكتوبة لتبدع وتتألق، فهى وريثة الريحانى والقصرى فى صناعة الحالة. ملامحها الشعبية الغليظة، بدانتها اللافتة، صوتها الأجش؛ هذه جميعاً مفردات تتحالف لتشكل ممثلة فريدة لا تشبه أحداً.

الشر عندها ذو مذاق مختلف، تحيط به إطارات المرح التى تكسر حدته وتوحى بأنه مؤقت لن يدوم، أو أنه عمل ترتزق منه ولا تجد له بديلاً. صديقة اللصوص ومخزن مسروقاتهم، معذبة أطفال الشوارع، القوادة الماكرة، الأم المستهترة، الزوجة المسيطرة، الحماة الشرسة، التابعة شبه الصديقة، الخاطبة المراوغة، الطيبة أحياناً بلا ذرة من السواد؛ هذه وجوه نعيمة الصغير.

سيدة فى «المشبوه»، امرأة تفوق الرجال فى القوة والصلابة والشهامة، تحترم القواعد والأعراف التى تحكم عالم اللصوصية. عادلة حكيمة بمعايير المهنة التى تنتمى إليها. يتجلى حبها لرفاق العمل فى الحس الإنسانى الذى تتعامل به مع ماهر، عادل إمام، فهى تقرضه عند الحاجة، وترعى قصة حبه مع بطة، سعاد حسنى. كم هى رائعة صادقة نظرات التعاطف التى تتأمل بها لقاء الحبيبين، كأنها الأم الروحية. تدخن الشيشة بشراهة، ولا يعرف الخوف طريقه إليها عند اعتقالها مع المشبوهين. صحيح أن مهنتها كريهة مرذولة بالمعايير الأخلاقية، لكن المشاهد لا يكرهها بقدر ما يتعاطف معها ويلتمس الأعذار، وما أكثر اللصوص الشعبيين الظرفاء الذين يحظون بالحب والاحترام فى المجتمع المصرى.

يختلف الأمر مع «الكاتعة» فى «العفاريت»، ذلك أن التسامح النسبى مع اللصوص التقليديين لا متسع له مع خاطفى الأطفال الأبرياء ومستغليهم. امرأة عنيفة قاسية، شرسة بلا قلب فى قهر ضحاياها الصغار، ولا تتورع عن الزج بهم فى ساحة ترويج المخدرات، فضلاً عن السرقة والنشل والتسول. الجديد فى أداء نعيمة، التى بدأت حياتها الفنية راقصة ومطربة، ظهور وجهها الأنثوى الرقيق الناعم، أو الذى يسعى ليكون رقيقاً ناعماً، فإذا بها تفجر سيلاً من الضحكات.

شر من طراز مختلف تقدمه الفنانة القديرة فى «سونيا والمجنون» و«شفيقة ومتولى». عدلات فى الفيلم الأول قوادة محترفة ماكرة، تخطط بإتقان ودأب للإيقاع بسونيا فى براثنها، وتراهن على الفقر المدقع الذى يحول دون المقاومة الجادة والنجاة من الاستجابة لنداهة الدعارة. نبرات صوتها ونظرات عينيها وإيقاع حركتها، أدوات متجانسة تؤكد وعيها بأبعاد المهنة سيئة السمعة، والأدوات نفسها تستثمرها فلة فى الفيلم الثانى. المشترك الراسخ فى أداء نعيمة يتمثل فى غياب المباشرة الفجة الرخيصة، والنجاح فى عمل القوادتين رهين بالضغوط النفسية التى لا تخيب.

تتألق نعيمة بشكل غير مسبوق فى «الشقة من حق الزوجة»، حيث المبارزة الفنية رفيعة المستوى مع محمود عبدالعزيز. سلاسة فى الأداء تبهر المشاهد فيندمج ويذوب، كأنه ينصت من شرفة بيته لما يدور فى شقة الجيران.

على مشارف الستين تغادر فى هدوء، وتبقى بعد رحيلها عظيمة الحضور، تتطلع إليها العيون والقلوب لمراودة الضحكات والتحرر من عكارات الحياة وهمومها المتراكمة.