عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نحو المستقبل

كان الخميس الماضى 21 أكتوبر 2021م هو التاريخ المقدر والمقدور لرحيل حسن حنفى عن دنيانا الفانية ليلتقى هناك فى العالم الآخر بأحبته من الفلاسفة والأصدقاء الذين عايشهم وعاش معهم بصورتى الحياة المادية والفكرية. وكم كان مهموماً بقضايا الفكر والوطن، وكم كان مخلصاً فى أداء رسالته الفكرية على أكمل وجه ودون أى تقاعس أو كسل لآخر لحظة فى حياته لدرجة أنه فى آخر حوار تليفونى بيننا وهو على سرير المرض الأخير كان لا يزال مصراً على استكمال كتبه الثلاثة التى وعدنا بها فى نهاية الجزء الثانى من كتابه «ذكريات» خاصة كتاب «التفسير الشعورى للقرآن» واستمرت المكالمه على غير العادة 45 دقيقة وهو يتحدث بحماس مشغولاً بقضايا الوطن وتطوير الجامعات والجمعية الفلسفية آملاً أن يلبى أية دعوة للمحاضرات أو للندوات من على سرير المرض ما دعانى إلى القول: إنك خير مثال على تحقق مقولة أرسطو «أن العقل بماهو كذلك قوة مفارقة للجسم» فضحك وقال: أنا كذلك فقد توقفت أو تكاد معظم أعضاء الجسم عن العمل، وحاصرتنى كل الأمراض حتى فقدت البصر والأطراف، لكن عقلى لا يزال مشتعلاً ومشغولاً بمواصلة العمل الفلسفى ولا أستطيع أن أحيا يوماً دون أن أضيف شيئاً جديداً إلى أعمالى!!

هذا هو سر أسرار حسن حنفى الذى يفسر لنا هذا الكم الهائل من المؤلفات التى تدور حوله مشروعه الفكرى الضخم «التراث والتجديد» بجبهاته الثلاث. فقد كان حسن حنفى لا يتوقف عن الكتابة يوماً حتى وهو يتنقل بين جهات العالم الأربع فى سفريات علمية لا تنقطع لدرجة أن أطلقت عليه ذات مرة «الأستاذ الطائر» الذى ما إن نلقاه فى القاهرة حتى يغادرها إلى مهمة علمية هنا أو هناك، فقد كانت شهرة حسن حنفى الدولية تفوق بمراحل شهرته المحلية والإقليمية لدرجة أنهم كانوا يعرفوننا فى الخارج بأننا من مصر بلد حسن حنفى!!

لقد كان حسن حنفى فى محاضراته ولقاءاته مثله فى كتاباته متقداً وحريصاً على تحريض عقول طلابه ومستمعيه على التفكير المستقل وإبداء الرأى وكان يستخدم فى ذلك كل رؤى ومناهج الفلاسفة عبر عصور الفلسفة المختلفة ولا يغيب عنه أى فيلسوف فى أى عصر، وكم كان يعجزنا نحن طلابه أن نسأله عن أى رأى لأى فيلسوف من غير المشاهير فى تاريخ الفلسفة فنجد إجابته حاضرة ومن مصادر الفيلسوف الأصلية. وكان السؤال الأهم الذى يحرضنا على التفكير فيه هو: فى أى عصر نحن نعيش؟!

وبالطبع فالمعنى واضح لدى من درسوا مشروعه الفكرى، فقد كان معنياً بالسؤال عن هل نحن نعيش عصر نهضة جديدة كما ندعى أم ما زلنا نعيش فى العصور الوسطى ولا نكاد نتجاوزها؟! لكننى مؤخراً فكرت فى إجابة أخرى لذلك السؤال ولكن للأسف لم أبلغها له! فنحن نعيش فلسفياً وحضارياً عصر حسن حنفى؛ ذلك العصر الملىء بالأضداد والتناقضات التى حاول هو ومعاصروه من أصحاب المشاريع الفكرية التعبير عنها والجمع بينها ملتمسين طريقاً جديداً للخروج منها إلى عصر نهضة جديد لكنه لم يولد بعد، حيث المعوقات والأسلاك الشائكه لا تزال تحاصرنا من كل جانب!!

 لقد كان حسن حنفى يعتبر نفسه – وهويؤرخ للفكر العربى المعاصر- معبراً عن جيل الوسط بعد جيل الرواد الطهطاوى ومحمد عبده ومصطفى عبدالرازق وغيرهم وهو يحاول أن يسلم الراية ثورية خفاقة إلى جيل جديد يحمل الرسالة من بعده.

لكل ما سبق وغيره كثير أرى أننا عشنا ولا نزال نعيش عصر حسن حنفى الفلسفى، فما كتبه سيظل علامة فارقة فى تاريخ الفلسفة العالمية إسلامية كانت أو غربية ولن يخلو كتاب يتحلى كاتبه بالموضوعية يتحدث فى تاريخ الفلسفة العالمية الآن وفى المستقبل عن فصل عن فلسفة حسن حنفى. وسيظل بالنسبة لنا معيناً نستقى منه الأفكار المبدعة فى مؤلفاتنا ومشاريعنا الفكرية سواء اعتبرناه هو الأصل والمصدر والطريق أو اختلفنا معه موجهين الأنظار نحو «أورجانون» جديد للفكر العربى يكون أداتياً وواضحاً فى رسم الطريق لنهضة عربية مستقبلية منشودة. رحم الله حسن حنفى القيمة والرمز وفيلسوف العصر الذى رحل جسداً وبقى بفلسفته خالداً أبد الدهر..