رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

عطر الأحباب

 

 

فى الأربعين من عمره، يقدم مدرس اللغة الفرنسية أول أدواره السينمائية فى «أرض النفاق»، 1968، وبعد ثلث قرن من البداية،2001، يقدم دوريه الأخيرين فى «جالا جالا» و«صعيدى رايح جاى».  أربعون فيلما حصيلة رحلته مع السينما، التى تتوقف قبل رحيله بتسع سنوات. رقم محدود على الصعيد الكمى، مقارنة بإنتاجه الغزير فى المسرح والدراما التليفزيونية، لكن عدداً غير قليل من أفلامه هذه يبرهن على حقيقة أنه ممثل فذ بكل المعايير، ولا صعوبة عنده فى تجسيد الشخصيات المتنافرة المتناقضة بدرجة واحدة من الإتقان والكفاءة، فهو البك والباشا والموظف الكبير والطبيب ورجل الأعمال وضابط الشرطة، وهو أيضا الفلاح ووكيل المحامى وسمسار مباريات الكرة واللص والفنان المتقاعد الهامشى السكير.

عبدالله فرغلى «1928-2010» طاقة تمثيلية هائلة، يحيل الأدوار الصغيرة إلى بطولة لا تغادر ذاكرة المشاهدين. تحققه الأعظم فى الأدوار المعقدة المركبة متعددة المستويات، مثل رزق فى «الحريف» وعلى الأعرج فى «المولد» والخال سيد فى «هستيريا»، أما عبقريته الكوميدية فتتجلى بتمامها فى وفرة من أعماله وأبرزها «فوزية البرجوازية» و«الشقة من حق الزوجة»، وثمة أفلام أخرى يأسر فيها القلوب بعذوبة وسحر أدائه، وليس من دليل يفوق المحامى حافظ الفوال فى «ضربة معلم». 

رزق الإسكندرانى سمسار لمباريات كرة القدم الشعبية التى تعتمد على المراهنات. الأعرج الجبار الداهية المستغل، لا يمكن خداعه أو التلاعب به، ونشاطه جم على الرغم من عاهته. دور فريد غير مسبوق فى السينما المصرية، يتألق فيه فرغلى ويتوهج بملابسه ومشيته وتحكمه المذهل فى تعبيرات الوجه للتفاعل مع المواقف المختلفة.

على الأعرج يعانى عاهة رزق نفسها، لكنه أكثر شراً وقسوة. يبدع الممثل القدير فى الكشف المبكر عن رؤية وفلسفة الشخصية المنحرفة غير السوية، ليس بكلمات الحوار فحسب، بل أيضاً بلغة الجسد وإيماءات الوجه وطبقة الصوت المستخدمة.

الخال سيد من أنضج الأدوار التى يبدع فيها فرغلى، وكالعهد به دائماً يغوص فى أعماق الشخصية فتمنحه أسرارها وخباياها. حالة من الضياع الشجنى النبيل، الموجع المؤلم، تقدم شهادة عميقة عن الواقع المختل المضطرب. لا يخلو استسلامه وركوده من احتجاج خافت كامن، وتتداخل الأزمنة فى عالم الخال الهامشى المأزوم فيتألق فى التعبير عن الاختلاط والاغتراب والتشيؤ. فكاهته مريرة أسيانة، وغناؤه مراودة لحياة ضائعة مستحيلة الاستعادة، وتحولاته توحى بالأمل فى الوصول إلى المصالحة المنشودة التى تتجاوز الذات والفرد، أما السقوط الأخير فبمثابة التتويج المنطقى المتوقع للنهاية التى لا مهرب منها ولا نجاة.

المحامى حافظ الفوال دور لا يُنسى فى السجل الإبداعى الحافل للفنان المتمكن سلس الأداء القادر على الإقناع دائما.

أكول نهم، متطرف فى بخله، مهلهل الثياب على الرغم من ثرائه الفاحش. مهارته فى المحاماة لا تعنى العلم قدر اقترانها بالتحايل واللجوء إلى الأساليب الملتوية لإخفاء الأدلة وإفساد الشهود. حضور عبدالله قوى ساطع لفرط براعته فى استيعاب ملامح الشخصية شكلاً ومضموناً، وأسلوبه فى الأداء مسجل باسمه لا يسهل تقليده، ذلك أنه يتسلح بالعفوية المحسوبة والتلقائية التى يتحول فيها الممثل والشخصية التى يجسدها إلى نسيج واحد.

ممثل عملاق عظيم الموهبة، لا يحظى يوماً بالبطولة المنفردة، التى تعنى مساحة كبيرة وتصدر الاسم فى أفيشات الدعاية، فضلا عن الأجر الضخم والاهتمام الإعلامى والشهرة المدوية، لكنه بطل بمعايير الأداء الاحترافى المتمكن والقدرة على التأثير وصناعة شخصيات ذات بصمة تستوطن القلوب وتنعش الأرواح. من الذى ينسى رزق الإسكندرانى وعلى الأعرج والخال سيد وكاتب المحامى عبدالشافى والأساذ عبدالمقصود و... من ينسى عبدالله فرغلى؟