رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

 

التسامح كما يذهب «بول ريكور»: ثمرة الزهد فى ممارسة السلطة أو القوة، وهو فضيلة فردية، وفضيلة جماعية، ومن الخطأ أن نعتقد أنه يستمد من سلطة الدولة فحسب. أما التعصب فإن دافعه الأول هو رغبة كل فرد منا لفرض معتقداته وآرائه وطريقة معيشته وأسلوب حياته على الآخرين، فمنذ اللحظة التى يعتقد فيها كل فرد أن هذه المعتقدات والآراء وأسلوب الحياة هى وحدها التى تتمتع بالشرعية، وهى فقط التى يُعترف بها قانونًا هنا تبدأ أزمة التعصب.

وإذا كان التسامح هو ثمرة الزهد فى السلطة، فإن ذلك يعنى أن يتخلى من بيده السلطة على أن يفرض على الآخرين طريقته فى التصرف، وأسلوبه فى الاعتقاد والإيمان، ولا شك أن عملية التخلى عن السلطة ليست أمرًا سهلًا أو هينًا؛ إذ تكون دائمًا صعبة وباهظة التكاليف.

إن التسامح لا يمكن فهمه أو استيعابه بعيدًا عن الاعتراف بمشروعية حرية الآخر وقداستها، وهذا الاعتراف لا يمكن له أن يصبح ممكنًا إلا إذا كان لدى الذات الرغبة والقدرة فى أن تكون آخر، فالمعنى العميق للتسامح هو «حق الذات فى الآخرية»، وبشكل خاص الإقرار بحق الذات فى الآخرية الدينية؛ بمعنى أن نقر بحق اليهودى فى أن يعتنق شيئًا آخر غير اليهودية، والمسيحى غير المسيحية، والبوذى غير البوذية... وهكذا؛ أي: أن يمتلك حريته فى الاعتقاد والتعبير والوجود وكقدرة دائمة على المغايرة والاختلاف.

ولكن هل التسامح قيمة مطلقة؟ وربما يرتبط بهذا السؤال سؤال آخر: هل التسامح يكون تسامحًا مع الجميع؟ أو ربما يكون السؤال أكثر جدوى لو كان: مع من نتسامح؟ هل يمكن أن نتسامح مع الأعداء، ومع المتعصبين والإرهابيين، والطغاة وغيرهم ممن لا يعترفون بالتسامح نفسه وبحرية الإنسان؟

 لا ريب فى أن التسامح موقف حضارى مشروط بالإرادة والقدرة، وهى إرادة الصفح والقدرة عليه، وبالتأكيد هو ليس مجرد واجب أو فعل اضطرارى أو مجرد حق ينبغى ممارسته؛ إذ لا يمكن إجبار إنسان مضطهد أو مناضل لمحتل أن يكون متسامحًا تجاه من يراه عدوًا له، وتجاه من يمارس عليه القهر؛ ولذلك يبدو أن التسامح لا يحدث إلا بين أناس متسامحين؛ أي: حاملين لفضائل واستعدادات أولية للتسامح. ولكن كيف يمكن لى ألا أتسامح مع الآخر عندما يكون متعصبًا دون أن يقودنى ذلك إلى نفى مبدأ حريته، وتحطيم قيمة التسامح ذاتها؟

لقد حاول «جون راولس» فى كتابه «نظرية العدالة» أن يجيب عن هذا السؤال حينما ناقش مسألة علاقة الدولة بغير المتسامحين، ومن وجهة نظره يوجد سياقان لهذه العلاقة: أولهما – فى مستوى التعامل بين الأفراد حيث يوجد تبادل إيجابي، لا يحق لغير المتسامح أو المتعصب أن يتذمر إذا لم يقع التسامح معه، أما السياق الآخر – فهو سياسى – اجتماعي، فالدولة قد تضطر إلى التعامل بطريقة متسامحة مع غير المتسامحين ما دام لا يقع عليها خطر يُهدد بتحطيم النظام العادل.

إن التسامح كفضيلة أخلاقية وكقيمة سياسية يحتاج إلى بناء قاعدة يتأسس عليها؛ ليكون الحوار مع الآخر ممكنًا. إن تسامحًا مطلقًا ربما يعطى شرعية مطلقة لكل الآراء والأفعال، ومن ثم فهو يعدم كل قاعدة للحوار وينهى التعايش السلمى فى المجتمع، فهو ينفى ذاته بذاته، ووفق هذا المعنى لا يمكن قبول المميز العنصرى والعرقى والاستعماري، ولا يمكن التسامح مع من ما زال يرى البشر أقل إنسانية منه، وبكلمة واحدة لا يمكن التسامح مع غير المتسامحين أو مع أعداء التسامح؛ لأن تسامحًا من هذا القبيل يحمل إمكانية فشل مشروع المتسامحين، ويؤدى بالتالى إلى نفى إمكانات التسامح.