رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

عطر الأحباب

 

من القلائل فى تاريخ فن التمثيل المصرى الذين لن تجد لهم أدواراً فى المسرح والإذاعة والتليفزيون، ذلك أنه أحب السينما وأخلص لها بلا شريك يزاحمها، وتفرغ لها عبر أكثر من ربع قرن.

 عادل أدهم «1928- 1996» سكندرى قح، متشبع فى ملامحه وأسلوب أدائه لروح المدينة العظيمة المتسامحة التى تتسع للجميع بلا تمييز، ولأنه ابن طبقة ثرية فقد عشق الرياضة والرقص فى مرحلة مبكرة من عمره، واقترب من عالم السينما عبر أدوار هامشية صغيرة بلا أبعاد، وسرعان ما يبتعد ليعمل فى ساحة تجارة القطن التى كان بارعاً وناجحاً فيها، قبل أن يعود إلى السينما مجدداً فى منتصف الستينيات، لكنها أفلام ضئيلة الشأن لا تكشف عن المخزون الثرى لموهبته.

 مع شخصية الصحفى الفنى على السيد، مدمن المخدرات والفساد فى «ثرثرة فوق النيل»، يبدأ عادل مرحلة التوهج والعطاء المتدفق، منطلقاً مثل الفيضان العارم يقتحم كل الحواجز والسدود التى تفصله عن جمهور يتعلق به ويراهن عليه.

 طوال عقدى السبعينيات والثمانينيات، ينتشر ويهيمن الممثل العملاق ذو الحضور الطاغى، ولا مبالغة فى القول إنه «غول» ذو هيبة لا تخطئها العين، والملمح الأبرز فيه تجنب استثمار نجاحه فى أدوار بعينها ليكررها ويسقط فى شباك النمطية، تلك الآفة اللعينة التى تحيل قطاعاً عريضاً من الممثلين وأشباه الممثلين إلى موظفين كسالى يتم استدعاؤهم بشكل روتينى ليكونوا ضباطاً وأطباء وقضاة ورجال أعمال.

فى دائرة الأدوار التى تبدو للوهلة الأولى متشابهة، يأبى القدير عادل إلا أن يبرهن عملياً على حقيقة إن الممثل الموهوب لا يكرر نفسه، فالبشر مثل بصمات الأصابع لا يتشابهون. الشراسة المستمدة من نفوذ الوظيفة الأمنية الخطيرة فى «طائر الليل الحزين»، يتم التعبير عنها بمشاعر ولغة جسد مغايرة لتلك التى يقدمها فى «حافية على جسر الذهب»، وعندما يتحول إلى ساحة الفتونة فى «الشيطان يعظ»، يعى أن الغطرسة فى عالم الفتوات لا شأن لها بما تمنحه المناصب الرسمية من قوة وتسلط، وأدواره الثلاثة السابقة مختلفة عن شراسة وشهوانية المعلم فى «الفرن»، والبلطجى محترف الابتزاز فى «امتثال»، وزوج الأم المدمن فى «الراقصة والطبال».

المعايشة الجادة والدراسة المتأنية وتوثيق العلاقة مع الشخصية؛ أسلحة يمتلكها الفنان الكبير وتتيح له الاندماج بانفعال محسوب لا افتعال فيه، بل هو الجمع بين البساطة والعفوية وقراءة الأبعاد الكامنة المخبوءة فى الأعماق.

 دوره غير المسبوق فى «المذنبون» تعبير عن براعة لا تعتمد على الظاهر السطحى المباشر، ومن هنا قدرته على الإقناع والتأثير، والأمر نفسه فى «سوبر ماركت» و«سواق الهانم»، حيث الانتقال إلى الترفع الطبقى والثقافة الغربية بكل ما يصاحبها من أناقة وأساليب تعبيرية لا يملك القدرة على ترجمتها بشكل عفوى إلا العتاة من أفذاذ الممثلين.

 فى مسيرة كل ممثل دور يمثل العلامة الأبرز فى سجل إبداعه، وليس مثل شخصية الأصم الأبكم فى فيلم «المجهول»، المقتبس عن مسرحية «سوء تفاهم» لألبير كامو، فى الكشف عن قدرات عادل وإمكاناته غير العادية. لا ينطق كلمة واحدة طوال أحداث الفيلم، لكن كل ذرة فى جسده وروحه تتكلم وتبوح وتئن وتعبر. عن دوره الاستثنائى هذا، نال عادل أكثر من جائزة، وتبقى الجائزة الأكبر ما منحه له ملايين المشاهدين من حب وامتنان.

يرحل الشرير المتمكن، المختلف عن غيره من أشرار السينما المصرية، بعد معاناة مرهقة مع المرض الخبيث الذى لا يرحم، لكنه يبقى بعد الغياب من العلامات الشامخة فى تاريخ السينما المصرية، وأحد ساكنى القلوب ممن يحظون بحب لا ضفاف له.