رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

 

 

أثار الحدث المأساوى الأخير للصيدلانية إيزيس مصطفى، والتى قامت رئيسة الوحدة الصحية الداعشية بقرية كفر عطا الله بالشرقية بضربها وسحلها وإيذائها جسديًا ونفسيًا أمام زملائها عقابًا لها على عدم ارتدائها للحجاب. وقد فجر هذا الحدث بأعماقى العديد من الأسئلة، لعل فى مقدمتها هل المرأة المصرية حرة فى امتلاك جسدها، وهل لديها الحق فى التعامل معه على أنه ينتمى إليها كذات، أم أنه ينتمى إلى الثقافة وإلى المجتمع وإلى التقاليد وإلى الجماعة وإلى العائلة والأسرة وإلى الأب أو الأخ أو الزوج... الخ ؟

الواقع أن المرأة فى مجتمعاتنا تعانى اغترابًا عن ذاتها نتيجة أن جسدها ليس ملكًا لها، وهذا الشكل من الاغتراب أقرب ما يكون إلى معنى فقدان السيطرة، أو اغتراب الملكية، الذى يعنى نقل الملكية السيادية من شخص لآخر، أو من شخص لمجموعة من الأشخاص.

ويؤكد هذا المعنى أن الثقافة الذكورية تتعامل مع الجسد الأنثوى بوصفه ملكية خاصة للرجل وسلعة قابلة للبيع والشراء والرهن والسبي؛ لذلك تتشيأ المرأة، وتفقد كينونتها الإنسانية واستقلالها وحريتها، وتتحول إلى كائن تابع للرجل بصورة تكاد تكون مجانية تمامًا. ومن السمات التى تُعد أساسية فى النظام الأبوى، وتُمثل مصدرًا لأغلب مظاهر التمييز ضد المرأة هو اعتبار المرأة غير مالكة لجسدها، وهو ما يظهر فى تبعيتها للأب أو للأخ أو للزوج.

عدم امتلاك المرأة لجسدها هو الذى يؤدى إلى شرعنة مراقبة المجتمع للحياة الجنسية للمرأة وعدها أمرًا عامًا لا يخصها وحدها، وهو الذى يؤدى أيضاً إلى جرائم الشرف. وعدم ملكية المرأة لجسدها يعنى فى الوقت ذاته انعدام الفصل بين جسد المرأة والجسد الرمزى للمجتمع أو للأمة، كما يعنى نفيًا للمرأة كفرد أو ذات.

إن هذا العنف المؤدى إلى جرائم بشعة، تبدو فى نظر المجتمع الشرقى وكأنها أمر طبيعى، أو كأنها نوع من العنف الهادئ الذى يُسميه «بيار بورديو» بـ«العنف الرمزي». «إنه قساوة بنيوية تكون محل إجماع صامت أو صريح بين الضحايا والجلادين فى الوقت نفسه». فما يُسميه «بورديو» نفسه بالهيمنة الذكورية عبارة عن مصنع منتج للعنف الهادئ الذى يفعل فعله باسم مبادئ تصف نفسها بأنها أخلاقية، وتحاط بهالة من التقديس. هذه المبادئ تقدم على أنها بدهية وطبيعية، ولا تحتاج إلى النقاش، ثقافتنا السائدة مصنع يحول الظلم واللا مساواة إلى مبادئ وثوابت ومسلمات.

والمقصود بثقافة العنف ضد النساء: أى ممارسات فعلية أو خطابية، أو أى قيم أو صور أو رموز تفضى إلى العنف ضد المرأة وتشجع عليه، أو تؤدى إلى تشجيع الضحايا على الصمت عنه، وعدم اللجوء إلى سلطة القانون لردع المتعدي.

فثقافة العنف ضد النساء هى التى تجعل الناس يعتقدون أن العنف ليس عنفًا، وهى تُسمى العنف بمسميات أخرى خادعة، مثل: حماية المرأة أو تهذيبها أو الدفاع عن الشرف والعرض والخصوصيات الثقافية. فضلًا عن أنها تنتج احتقارًا ممنهجًا ومنظمًا لجسد المرأة ولحريتها وكيانها.

ومن صور العنف ضد المرأة أيضاً اختزال الأخلاقيات الإنسانية فى الشرف الجنسى، فالشرف الجنسى طبقًا لهذه الثقافة هو الحصن المادى الثقافى الذى لا يحافظ على المؤسسة الأسرية فحسب، بل هو الذى يحمى المؤسسات السياسية والاقتصادية والدينية، وبالتالى فإن الحساسية الشديدة التى بها يتم تناول مسألة العرض والشرف المرتبطتين بكبح الجسد الأنثوى لا تنفصل مطلقًا عن رهاب الخوف من انتهاك سلطة هذه المؤسسات وشرعيتها؛ لذلك كان العرض والشرف مسألة مقدسة لا يجب أن تُطال حتى بالكلام أو الإشارة، وبالتالى يقع عبء الحفاظ على الشرف والعرض إجمالًا على عاتق المرأة الأضعف والأكثر خضوعًا للرجل، التى شاء القدر أن تحمل هذه المسئولية الرهيبة للحفاظ على شرف أهلها وعرضهم تحت تهديد قلق العقاب الرهيب.