رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

عطر الأحباب

 

 

 

فضلا عن روائع المسلسلات التليفزيونية التى أخرجها، ومنها «عمر بن عبد العزيز» و«لن أعيش فى جلباب أبي»، فإن العملاق قصير القامة أحمد توفيق «1933-2005»، ممثل سينمائى من طراز فريد يندر تكراره. يوقن من يشاهدونه أنه يعيش مع شخصياته حالة من الوجد الصوفي، فيحل فيها ويتحد. لا يدفع أداؤه إلى حب أو كراهية من يجسدهم، بل إن الفهم والاستيعاب هو المحصلة النهائية، ولا متسع عندئذ إلى أحكام الإدانة والبراءة، فهو يقول لنا ما يكتبه أوسكار وايلد من قبل: أنا لا أدافع عن سلوكي، لكنى أوضحه.

الظهور السينمائى الأول مع صلاح أبو سيف فى «لا وقت للحب»، 1963، حيث شخصية شكرى المحسوب على اليسار الثوري، لكنه مذبذب لا تتوقف تحولاته. يبرع فى الإمساك بمفاتيح الشخصية المركبة المعقدة، وتستمر البراعة مع سالم الأخشيدى فى «القاهرة 30»، 1966، مع صلاح أبو سيف أيضا.

سالم موظف ذو نفوذ على الرغم من حداثة عمره، والانتهازية المعجونة بالشر وغياب المشاعر الإنسانية سلاحه فى الصعود والترقي. تحولات توفيق الانفعالية سلسة بلا ادعاء متصنع، والصراع مع محجوب عبد الدائم، زوج عشيقة قاسم بك، تختل قواعده بفعل القوة التى يستمدها الزوج القواد من عمله الوضيع. فى مشهد مشحون بالقلق والتوتر، يطل وجه سالم المراوغ الماكر الذى يتقبل الهزيمة المؤقتة ويتهيأ للانتقام من غريمه وشبيهه فى الشر واللا أخلاقية.

فيلماه المبكران مع صلاح أبو سيف محطتان ناضجتان فى المشوار الناجح الذى يترسخ فى الأفلام الثلاثة التالية: «شيء من الخوف»، 1969، «ميرامار»، 1969، «ثرثرة فوق النيل»، 1971.

رشدي، فى «شيء من الخوف»، واحد من رجال الطاغية عتريس، فهل يمكن للتابع أن يتطلع إلى مكانة ومهابة الزعيم؟. هنا تكمن المأساة، فهو يتناسى هامشيته وحقيقة إنه يستمد القوة والنفوذ المحدود من موقع التبعية. يتحول إدمانه للخمر مع أزمته النفسية الطاحنة فيتحول إلى مسخ مشوه جدير بالازدراء، وبعد نصف قرن من عرض الفيلم يبقى أداؤه المتوهج مدرسة يُضرب بها المثل فى مناسبات شتى لا صلة لها بالفيلم وأحداثه.

رشدى المهزوم المأزوم يختلف جذريا فى تكوينه النفسى عن شكرى وسالم، ويبقى أحمد توفيق بموهبته ووعيه قادرا على استيعاب الجميع والتغلغل فى أعماقهم والترجمة الفنية الدقيقة لمرتكزات شخصياتهم.

يتألق الممثل القدير عظيم الموهبة فى «ميرامار» و«ثرثرة فوق النيل»، ويواصل رحلته مع التألق فى «على من نطلق الرصاص» و«أريد حلا» و«خلطبيطة» و«القبطان» و«ابن عز». تتباين الشخصيات التى يقدمها، ويبقى الحضور الاحترافى المتوهج. ليس أدل على خصوصية الممثل الفذ من فيلمى «حافية على جسر من الذهب» و«البيضة والحجر».

المنتج السينمائى شكري، فى الفيلم الأول، مثقف مثالى يقتحم عالما لا ثقافة فيه أو مثالية. ترجمته لمشاعر الغربة داخل الوسط الفنى غير الجاد درس بليغ فى الأداء العبقري، والمشهد الوحيد فى الفيلم الثانى درس جديد لا يقل روعة، حيث التحول مثل الساحر من وجه إلى وجه فى لحيظات. السياسى الطاغية ذو القوة غير المحدودة يحل عليه الضعف فى مواجهة المرض الخطير الذى يصيب ابنته، وما أعمق صوته الرقيق الواهن وهو يستغيث بصاحب الكرامات، قبل أن ينقلب إلى وحش كاسر بعد شعوره بالخذلان ويأسه من دعم الدجال ذائع الصيت.

أهم كثيرون من يملكون موهبة التحول على هذا النحو المذهل؟.

حالة استثنائية فى تاريخ السينما المصرية. تشعر فى حضرته بأنه هاوٍ يحترف حب التمثيل، أو أنه محترف تكمن موهبته فى الحب والذوبان. عملاق يطغى حضوره فلا يصمد أمامه إلا من يماثلونه فى الموهبة الخارقة، وما أقلهم.