رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

عطر الأحباب

 

 

 

الضئيل النحيل الماكر الخبيث، قوته فى دهائه الشيطاني، ووجوده فى المشهد يحرض على التهيؤ للضحك، فأنت تنتظر منه حركة مباغتة أو نظرة موحية من عينيه الضيقتين المسكونتين بحياة كاملة متعددة الألوان، والجسد كله يشارك فى التمثيل. الكوميديا التى تقترن به ذات سمات خاصة لا تجدها عند غيره، ولعله من القلائل الذين يمنحون الحوار معنى وعمقا ولا ينتظرون منه المدد والدعم.

«سلامة فى خير»، 1937، أول الأفلام التى تجمع بين شرفنطح «1886-1966» ونجيب الريحانى المدرس بيومى مرجان، والعامل سلامة، جاران لدودان لا تتوقف المشاجرات والمشاحنات بينهما، وتتسم بالعنف اللسانى الحافل بالسخرية اللاذعة والتهكم المتبادل، كلاهما عصبى سريع الانفعال، والمباراة الكوميدية بينهما ممتعة منعشة.

المدرس بيومى غريم شرير شعبي، وخلافات الجيرة التقليدية مسئولة عن العداء والتوتر المغلف بالمرح، لكن الأمر يختلف فى «سى عمر»، 1941، حيث ضابط الشرطة الكبير المتقاعد جميل بك، عم عمر بك الألفي، الذى يتقمص جابر شهاب الدين، الريحاني، شخصيته لفرط التشابه بينهما. جميل بك لص ومزور، يستغل الغيبة الطويلة لابن أخيه فيسيطر على أملاكه ويستنزف مواردها. عودة عمر/ جابر تثير مخاوف العم الخبيث الداهية، وتتعدد محاولاته حتى يكتشف حقيقة العائد المزيف ويساومه لاستكمال مسيرة السرقة.

الحوار مكتوب بحرفية ومهارة، ونجاح المشاهد المثيرة بينهما لا يعتمد على الكلمات وحدها، ذلك أن السر كامن فى قدرة شرفنطح على التعملق وعبقرية الريحانى فى التقزم، والعكس صحيح أيضا. من خلال معايشة صادقة كهذه، تكتسب مفردات اللغة الحوارية مذاقا جديدا، وينجح الممثلان الكبيران فى إنجاز مبارزة ثنائية ينتصر فيها كلاهما.

فى «أبو حلموس»، 1947، يتقلص وجود شرفنطح، غبريال أفندى باشكاتب وقف يلدز هانم، وينتقل بالاقتدار نفسه من خندق الأشرار الخبثاء الماكرين إلى كتيبة مدعى الذكاء والدهاء، وهم إلى السذاجة أقرب. لا صلة تربط غبريال الطيب بالمدرس بيومى والضابط المتقاعد جميل بك، ومثل هذا التنوع الدال يبرهن على معدن ممثل متمكن متعدد الوجوه، وليس أدل على ذلك الثراء من التفوق فى تجسيد شخصية هاشم الحلاق فى «السوق السوداء»، 1945، للمخرج الرائد كامل التلمساني.

يحتفظ شرفنطح بمفردات قاموسه فى الأداء، لكنه يستثمرها لخدمة الشخصية الجديدة الإيجابية المنتمية إلى عالم الفقراء المهمشين فى الحارة الشعبية، أولئك الكادحين الذين يزدادون فقرا وتعرضا للقهر جراء التداعيات الكارثية التى تواكب الحرب العالمية الثانية. تتغير خريطة العلاقات الاجتماعية والإنسانية، ويدفع الحلاق الطيب ثمنا فادحا عبر خذلان الأصدقاء القدامى والغلاء الفاحش وضياع الدكان وتهديد كتبه التى يعتز بها. تجسيده البارع لشخصية الحلاق الشعبي، التى لا تخلو من لمسة كوميدية، برهان جديد على أن مخزون موهبته لا يقتصر على الجانب الكوميدى وحده، فهو جاد يقترب من الثورية، ومحرض على الفعل الإيجابى لمقاومة الظلم والاحتكار، بل إنه يستعين بثقافته الشعبية فيستشهد ببيت شعرى ينسبه إلى عنترة بن شداد للحث على المقاومة بكل المتاح من سبل: «وإذا بُليت بظالم كن ظالما».

محمد كمال المصري، الذى يختار «شرفنطح» اسما بديلا، ذو تاريخ سينمائى حافل، يشارك أم كلثوم فى فيلمى «سلامة» و«فاطمة»، ويتألق فى عدد كبير من الأفلام المتنوعة وصولا إلى فيلميه الأخيرين سنة 1954 :«حسن ومرقص وكوهين» و«عفريتة إسماعيل يس».

أربعون فيلما فى ربع قرن من العطاء، ثم الموت وحيدا بعد أن يشتد المرض وتشح الموارد وتنسحب الأضواء. تراه فلا تملك إلا أن تتهيأ للضحك، ففى جسده الضئيل ووجهه الهضيم وعينيه النافذتين وصوته الفريد، ما يبشر باقتراب المواقف الكوميدية التى تزرع البهجة وتصالح المشاهد المرهق مع حياة حافلة بالقسوة.