رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

 

 

منذ أيام قلائل صدر عن سلسلة عالم المعرفة كتاب ضخم بعنوان «المجاز السياسي» من تأليف المفكر والروائى وعالم الاجتماع د. عمار على حسن. الكتاب - فى رأيى - من أهم الكتب التى تنتمى لتخصص علم الاجتماع السياسى، وهو رؤية مكملة لكتاب سابق صدر عن نفس السلسلة للدكتور عمار هو «الخيال السياسي»، وقد صدر عام 2017. وبهذا الإصدار الجديد يؤكد الدكتور عمار أنه صاحب مشروع فكرى طموح يستهدف الانتقال بعلم السياسة من التعامل مع السياسة بوصفها سلعة إلى إدراكها بوصفها خطابًا، وهذا طموح يتجاوب مع فلسفات ما بعد الحداثة التى انطلقت من فرضية «فريدريك نيتشه» حول وهم الحقيقة، وتأكيده فى معظم مؤلفاته أن المجاز هو أصل الحقيقة، وها هو يتساءل: «ما الحقيقة؟» ويجيب: «إنها حشد متحرك من مجازات وكتابات وتجسيمات... فالحقائق صور مضللة.. عملات نقدية وجهاها ممحوان، إنها الآن لا تحسب على أنها عملات نقدية أكثر من كونها مجرد معدن».

إن كثيرًا من أفكارنا هى أخطاء وتخيلات وأوهام تحولت بمرور الوقت إلى حقائق عندما أضفى عليها الإنسان مضمونًا واقعيًاّ وإطلاقيًاّ. ولا ريب فى أن فرضية نيتشه قد ألهمت جيلًا بأكمله من الفلاسفة المعاصرين من أمثال: فوكو، ودولوز، وديدرا، وجورج لايكوف، ومارك جونسون.. وغيرهم ممن تنبهوا إلى خطورة المجاز ودوره فى كافة الخطابات الدينية والسياسية والفلسفية.

وقد انتبه د. عمار فى تقديمه لكتابه إلى هذا الحضور الطاغى للمجاز فى حياتنا، ولذلك يقول فى تقديمه للكتاب: «إن المجاز ينساب فى تفاصيل حياتنا بشكل ظاهر للعيان، حيث توجد الاستعارات والتشبيهات والكتابات فى الحوارات اليومية التى تجرى على ألسنة الناس فى الشوارع والأسواق والمكاتب والمصانع والورش والحقول والبيوت والملاعب، والأمثال التى نضربها، والحكم التى نتعظ بها، والأحكام التى نطلقها، والأساطير التى نرددها حكايات ورؤى، والاستشهادات التى نستعين بها، وبعض هذه الاستعارات المتداولة تعيبه المبالغة، وبعضها يُعبر عنه بإشارة تغنى عن عبارة، أو صمت يُغنى عن نطق، لكنها أيًاّ كانت الهيئة التى تتخذها فهى لا استغناء عنها بالكلية... وصار المجاز يُزاحم التفكير العلمى، أو يفرض حضوره على القضايا العلمية المطروحة فى الإنسانيات على وجه الخصوص، وحتى فى الطبيعيات، حين يُراد الإيحاء بالعلم لخدمة أغراض أخرى، فى إطار الصراع الاجتماعى والدولى، ورغبة بعض الأطراف فى تعزيز الهيمنة».

ويسرد الكاتب فى نهاية كتابه ثبتًا بأهم المجازات السياسية المتداولة مع تقديم شرح وافٍ لها، ومن هذه المجازات: حصان طروادة، شعرة معاوية، قميص عثمان، الإمبراطورية التى لا تغيب عنها الشمس، التنين الصينى، انتفاضة الحجارة، أرض الميعاد، إدارة التوحش، الثورة البيضاء، جمهورية الموز، الحرب على المخدرات، حكومة الظل، دولة الحارس الليلى، الحمائم والصقور، الدب الروسى، الدولة العميقة، الستار الحديدى، الحرب الباردة، حروب الاستنزاف، السلام الأخضر، سياسة حافة الهاوية، الصندوق الأسود، الحرب بالوكالة، عاصفة الصحراء، المستبد العادل، الإسلام هو الحل، تطبيع العلاقات مع إسرائيل، تحريك الأسعار، العصا والجزرة، العم سام، القوة الصلبة، القوة الناعمة، مطاردة الساحرات، هجرة الأدمغة... الخ.

وفى الخاتمة يوضح د. عمار أن الهدف من تأليف هذا الكتاب ليس هو الدعوة إلى ترصيع الخطاب السياسى بألوان من المجازات توضع فيه عمدًا كقلائد للزينة، ولكن هدف الكتاب هو تعرية الأوهام، والكشف عن التلاعب الذى يسكن بقلب السياسة سواء أخذ شكل توظيف المجاز من أجل دغدغة مشاعر الجمهور، أم كان المجاز ملاذًا للهروب من مواجهة الحقيقة.

إن هذا الكتاب الجديد فى موضوعه بالنسبة لدارسى العلوم السياسية العرب يستهدف أيضًا زعزعة المسلمات الزائفة والتصورات الجامدة التى يتبناها دارسو العلوم السياسية فى بلادنا ممن يتوهمون أن السياسة هى بالضرورة فن الممكن، وأنها ربيبة الحقيقة والواقع معًا، وبذلك ينجرفون إلى الوهم والخداع به، ويتصورون أن ما يدرسونه هو حقيقة لا تقبل الشك.

كل التحية للمفكر عمار على حسن على هذا الجهد، وهذا المنجز العلمى الكبير، والذى يُعد إضافة حقيقية للمكتبة السياسية الدولية وليس العربية فحسب.