رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

خارج السطر

 

 

أفتش عن الأخبار السارة بملقاط. أهرب من أنباء ترفع الضغط إلى حكايات ترفع الرأس. أقاطع الموضوعات المكررة والمملة بحثا عن نوابغ البشر الهادئين، الذين لا يسكنون شاشات الفضائيات، ولا يركبون التريند. يعملون فى صمت صامت، اعتزازا، وتصوفا خدمة للبشرية، وقهرا للقبح، ونحتا للخير. يقضون أعمارهم فيما ينفع الناس فيفوزون فى الدارين، رضا وطمأنينة ورحمات من الله.

الخبر السار نشرته جريدة الطب الإنجليزي» نيو إينجلند جورنال أوف ميدسن» فى عدد أول أكتوبر الحالى. ويشير إلى اكتشاف حالة وراثية غير معروفة تؤثر على الأطفال، وتسبب لهم إعاقات مبكرة. وأطلق جوزيف غليسون أستاذ علم الأعصاب بمعهد رادى للأطفال بكاليفورنيا على الحالة المكتشفة اسم « متلازمة زكي» نسبة إلى باحثة مصرية فى المركز القومى للبحوث اسمها مها سعد زكى.

كان التصور المبدئى أن كثيرا من الأطفال المصابين بإعاقة فى السمع أو الحركة أو التنفس نتيجة عيوب خلقية ولدوا بها، لكن أدى اكتشاف المتلازمة إلى التعرف على أن هناك خللًا جينيًا يُمكن علاجه خلال فترة الحمل ذاتها، ما يقلل من معاناة أجيال عديدة من الأطفال الذين سيولدون.

وجاءت مها زكى وحددت أصل الخلل، وقدمته فى بحث لها من بين مئة وعشرين بحثا عالميا، لتغير نمط العلاج الموصى به. ومنذ 1986 تعمل العالمة النابغة فى المركز القومى للبحوث على الأمراض الوراثية للأطفال، ونالت عدة جوائز دولية ومصرية كان آخرها جائزة الدولة التقديرية للعلوم 2018.

لكن ما يُتعسنى هو أن عوالم السوشيال ميديا، وجروبات الصخب المشتعل، ووسائل الإعلام التقليدية لا تلتفت لهذه النابغة، ولا تتابع نجاحاتها، ولا تناقش أفكارها، ولا تحكى مسيرتها للأجيال القادمة.

ما يؤلمنى أن المجتمع المدنى، جمعيات خيرية ومؤسسات، وقوى سياسية، لا تكترث لمثل هذه النماذج الفارقة واللافتة والتى تستحق منا كل تكريم وإشادة.

وما يُحزننى أن رجال الأعمال لا يقدمون مبادرات مجتمعية لتشجيع الإبداع العلمى، واحتضان ورعاية الاكتشافات والابتكارات الجديدة.

أيها الوطنيون الأعزاء : إن خدمة الوطن ليست أغنية تُردد، أو بيان سياسى يوزع على الصحف والمواقع الإلكترونية، ليست هتافا فى مظاهرة، ولا ختم لكلمتى «تحيا مصر» فوق جدران المبانى، وإنما هى تفان واجتهاد وعمل ورسالة.

لقد كتبت من قبل، وأكرر، أن مصر ليست رجال اللا شيء التابعين، والساكنين كأصنام، والسائرين فى القطيع بلا لحظة تفكر.

ليست أبا اسحاق الحوينى، أو محمد يعقوب.. ليست محمد رمضان، وحمو بيكا، وإعلامى الردح والمدح.. ليست جموع المتحرشين، وأعداء الإبداع ومُنكرى الجمال.. ليست كتائب الظلام المتسترة بالدين، ولا الشباب المهووس بالغرائب والمنكر لوجود الله.

مصر هى الجمال الصافى لطفلة تلهو مبتسمة.. كتلة حنان لأم جلدة صابرة تضُم أبناءها فى رضا.. عرق فلاح يرفع فأسا بجلد ليهوى به مقلبا أرضه.. سماحة قلب احتضن مُخطئا ليقوده نحو بر الهدى.. أمل فى أجيال جديدة لم تصطلى بنار الاستقطاب أو تندهس تحت عجلات التطور التكنولوجى.

مصر هى طه حسين، مصطفى مشرفة، نجيب محفوظ، أم كلثوم، ومجدى يعقوب، وكل من غرس نبتا طيبا ورش فلا ونثر خيرا للناس.

والله أعلم.

 

mailto:[email protected]