رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

عطر الأحباب

 

 

 

واحد من كتيبة المبدعين الذين يفرضون بطولتهم دون نظر إلى مساحة وطبيعة الدور، أما صوته الفريد العميق المتميز متعدد الطبقات والألوان فإنه سلاح يعينه على تجسيد الشخصيات التى يضفى عليها أهمية تنتزع من النجوم الرسميين سطوتهم.

حسن البارودى «1890-1974» من أعمدة الفن المسرحى والسينمائى فى مصر، لكن الأغلب الأعم من أدواره المسرحية سابق لظهور التليفزيون، والقليل الذى تم تسجيله لا يُعرض إلا نادرا، والأمر مختلف فى الساحة السينمائية التى يحتفظ أرشيفها بما يكشف عن عبقرية الممثل القدير وتفرده.

لا شك أن البارودى بارع فى تجسيد شخصية اليهودى وفقا لمعايير السينما المصرية الخاضعة لاعتبارات سياسية ودينية، وهو ما يتجلى فى فيلمى «هجرة الرسول» و«الشيماء»، لكن الفنان الكبير ينجو من شرك النمطية القاتل، وتتعدد وجوه الشر التى يقدمها. المعلم شنتورى فى «جعلونى مجرما» يختلف عن صاحب القهوة تاجر المخدرات فى «أعز الحبايب»، وكلاهما بعيد عن الدكتور بوشى فى «زقاق المدق» ومتولى فى «أمير الدهاء». الشر بدرجاته المتباينة مشترك بين هؤلاء جميعا، لكن أسلوب البارودى فى الأداء ليس نمطيا مكررا.

لا يمكن القول إن حسن البارودى ممن يمكن تصنيفهم فى دائرة تجسيد الشخصيات الشريرة وحدها، فهو البك الساذج المخدوع متهافت الشخصية فى «أولاد الشوارع»، والموسيقى الهامشى البائس فى «لحن الوفاء»، والفلاح الطيب الشهم فى «حسن ونعيمة» و«الدخيل»، والصعيدى الضرير المحافظ على تقاليد وموروثات البيئة دون قطيعة مع متطلبات العصر فى «صراع فى النيل».

فى مسيرته محطات بارزة تضمن له أن تتسع صفحات تاريخ السينما لتسجيل تفرده، وهل يمكن أن يُوصف أداؤه الفذ فى «باب الحديد» و«الطريق» و«الحرام» و«الزوجة الثانية» إلا بالعبقرية التى ترتفع به درجات ودرجات عن العاديين من الممثلين وأشباه الممثلين؟.

«باب الحديد» علامة لا تُنسى فى تاريخ البارودي، حيث وجوده الفاعل المؤثر فى طليعة كتلة المهمشين الذين يتوقف أمامهم يوسف شاهين فى فيلمه الرائد. البطولة التجارية من نصيب فريد شوقى وهند رستم، لكن الأمر على الصعيد الفنى ليس كذلك. البائس المأزوم قناوي، يوسف شاهين، وعم مدبولى متعهد الصحف فى محطة مصر، البارودي، يتصدران ويحلقان بعيدا.

لا يستعين شاهين فى مقدمة الفيلم بصوت قوى رنان يتقن صنعة البلاغة الفصيحة ذات الألفاظ الجزلة، والبديل الذى يقدمه بمثابة التحول اللافت إيقاعا وفكرا. عم مدبولى يتكلم بالعامية الرقيقة العميقة الحكيمة البعيدة عن الابتذال الفج، وصوته الهادىء الهامس المرهق معبر بشجن أخاذ عن أبعاد العالم الذى يقدمه والشخصية المحورية التى يتوقف عندها؛ قناوي.

فى «الطريق» و«الحرام» دوران صغيران يواصل البارودى من خلالهما تقديم الدروس، ويؤكد عمليا معنى أن يكون الممثل ساطع الحضور عظيم التأثير عبر مشاهد قليلة، لكنها كاشفة عن إمكانات هائلة وموهبة أصيلة تفرض سحرها على القلوب والعيون.

لا أحد من متابعى السينما المصرية ينسى شخصية مبروك، الشيخ الانتهازى المنافق فى «الزوجة الثانية». تاجر قروى صغير من أبناء الأزهر، وتابع خانع للعمدة الطاغية، وقادر على تبرير ما لا يمكن تبريره من المظالم والآثام. الآية الوحيدة التى لا يمل من الاستشهاد بها هى «وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم»، لكنه يتعمد إساءة الفهم وإضفاء الشرعية من خلالها على كل ما هو محرّم مرذول.

حسن البارودى ممثل عملاق متمكن يضيف إلى تراث السينما المصرية ما لا يقدمه إلا القلائل من أفذاذها وروادها. يرحل عن الدنيا ويبقى حيا فى قلوب محبيه، ولا يتوارى صوته المميز العميق الذى ينعش الأرواح ويزرع البهجة، وهل تخلو البهجة فى واقع مضطرب مختل من ذيول الإرهاق والشجن؟.