رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

أشرنا فى المقال السابق إلى أن الأنظمة الفاشية والدينية عادة ما تقوم بتوظيف المشاعر القومية والعرقية والدينية وكافة الاتجاهات التعصبية من أجل تعميق وتأصيل فكرة العدو الوهمى لدى الجموع، وذلك لضمان إحكام السيطرة على شعو بها وضمان ولائها لها.

وترتبط فكرة العدو الوهمى بمسألة سيكولوجية– دينية، وهى الحاجة إلى كبش فداء. وطقس كبش الفداء هو طقس قديم يستهدف إما إرضاء الآلهة أو تطهير العالم مما فيه من دناسة أو نجاسة، ولقد كان من عادة الشعوب اليونانية القديمة أن يختاروا شخصًا من الطبقة الدُنيا ويقومون بطرده من المدينة وضربه– بصورة جماعية– حتى الموت اعتقادًا منهم بأن ذلك يدفع عنهم الشر والبلاء.

إن ما نريد أن نؤكد عليه فى هذا المقال هو أن الحاجة إلى كبش فداء تمثل جزءًا مهمًا من استراتيجية مشتركة تجمع الاتجاهات الفاشية مع التيارات الدينية المتطرفة فى إطار فكرى وأيديولوجية واحدة.

إن هذه الحاجة تمثل ضرورة لكل هذه التيارات، فهى التى تمنح مشروعها المبرر والوجود، وهى الهدف الذى تتوجه إليه مشاعر الجماهير المقهورة المكبوتة التى تتحين أى فرصة للتعبير عن فائض العدوانية لديها. ولا يقتصر موضوع كبش الفداء لدى الجماعات الإرهابية التكفيرية على الآخر المختلف دينيًا أو عرقيًا فحسب، بل يمتد ليشمل طوائف أخرى كثيرة كالنساء والمثقفين والسياسيين والفنانين والشعراء وسائر المبدعين والوسيلة التى يتبعها المتطرفون لتجهيز ضحاياهم على مذبح الفداء، وهى وسيلة سهلة ورخيصة وغير مكلفة «آلية التكفير»، فبمجرد إلصاق تهمة التكفير بشخص أو طائفة يصبح هذا الشخص هو وأسرته، وما يملك مستباحًا، ويصبح من السهل على أى صبى ينتمى لهذه الجماعات أن يتكفل بالقيام بهذه المهمة المقدسة، ومنذ السبعينيات من القرن الماضى، وحتى الآن قامت الجماعات الإرهابية بإصدار العديد من الفتاوى ضد بعض القادة والسياسيين والكتاب والفنانين، ففى يوليو عام 1977 تم اغتيال «الشيخ الذهبي» على يد جماعات التكفير والهجرة، وفى 6 أكتوبر 1981 تم اغتيال الرئيس السادات على يد منظمة الجهاد الإسلامى، وفى 12 أكتوبر 1990 تم اغتيال «د. رفعت المحجوب» رئيس برلمان مصر، وفى 8 يونيو 1992 تم اغتيال المفكر «فرج فودة». وفى السودان أصدر جعفر النميرى عام 1985 فتوى بإعدام المفكر والمتصوف «محمد محمود طه» بتهمة أنه مرتد! وفى عام 1989 أصدر الإمام الخمينى فتوى بإباحة دم سلمان رشدى صاحب رواية آيات شيطانية».

وفى يوم 14 أكتوبر 1994 تقدم أحد شباب الجماعات الإرهابية من أديب مصر الكبير «نجيب محفوظ» ليطعنه بسكين صدئة بفتوى صدرت بالحكم عليه بالردة بسبب روايته «أولاد حارتنا». وفى عام 1995 وبناءً على فتوى تضمنها التقرير العلمى للدكتور عبدالصبور شاهين ضد نصر حامد أبوزيد يتم اتهامه بالكفر والردة، وتصدر إحدى المحاكم المصرية حكمًا بالتفريق بينه وبين زوجته د. ابتهال يونس.

وفى عام 2000 قامت هيئة قصور الثقافة بطبع رواية «وليمة لأعشاب البحر» للكاتب السورى «حيدر حيدر»، وثار المتشددون فى مصر ضد نشر الرواية، وخرج طلاب جامعة الأزهر فى مظاهرات صاخبة منددين بالرواية وبصاحبها وبناشريها، رغم أنهم لم يقرأوا صفحة واحدة من الرواية!

وهكذا نجد أن كل الجماعات الدينية الإرهابية فى عالمنا العربى تضمر عداءً عميقًا لكل من يخالفها الرأى والمعتقد، وأيضاً للمثقفين والمبدعين. إنها دومًا مسكونة بغريزة الموت، وتتوجه بندائها إلى جماهير مغيبة ومقهورة وربما ماسوشية تترقب مجيء من يخلصها من عقدة الإحساس بالذنب، ويطلق مشاعرها المكبوتة تجاه كبش فداء ربما يكون موسيقيًا أو عالمًا من العلماء أو فيلسوفًا أو مبدعًا فى أى مجال من المجالات.