عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ندى

وقف ضد تغييب عقل الطفل العربى بقلب مقاتل، وأثرى المكتبة العربية بعشرات القصائد, قال عن نفسه: حلمت‏ ‏بالطفل‏ ‏المصرى ‏مبدعا‏ ‏فنظرت‏ ‏فى ‏مرآة‏ ‏ثقافتنا‏ ‏ولم‏ ‏أجد‏ ‏فراشًا‏ ‏يأوى ‏هذا‏ ‏الحلم‏. كتب الطفل أحمد زرزور قصيدته الأولى.

فى ‏الصف‏ ‏الأول‏ ‏الإعدادى ‏وكانت‏ ‏عن‏ ‏الرئيس‏ ‏الراحل‏ ‏جمال‏ ‏عبدالناصر عام ‏1964, ‏والقاها فى ‏طابور‏ ‏الصباح‏, ‏وبالطبع‏ ‏كانت‏ ‏غير‏ ‏مكتملة‏ ‏الوزن‏ ‏والقافية‏, ‏و‏توقع‏ ‏تشجيعا‏ ‏ممن‏ ‏حوله‏ ‏إلا فوجئ‏ ‏بنظرات الشك‏ ‏فى ‏عيونهم‏ ‏تتهمه بسرقتها ونسبها‏ ‏إلى ‏نفسه, فحزن كثيرا , ثم حول شعوره إلى التحدى ‏وإثبات‏ ‏الموهبة, وعندما‏ ‏كان‏ يدرس‏ ‏فى ‏المرحلتين‏ ‏الابتدائية‏ ‏والإعدادية‏ ‏لم تعجبه ‏النصوص‏ ‏الشعرية‏ ‏التى ‏يتم‏ ‏تدريسها.

لصعوبة‏ ‏ألفاظها‏ ‏وبعدها‏ ‏عن‏ ‏المعانى ‏والأحاسيس‏ ‏المرتبطة‏ ‏بالطفولة‏ ‏بل‏ ‏وغلبة‏ ‏الجفاف‏ ‏والجمود‏ ‏عليها‏, ‏وعدم‏ ‏التناغم‏ ‏نهائيا‏ ‏بينها‏ ‏وبين‏ ‏الأطفال‏ ‏وقضاياهم‏, وكان يسأل نفسه‏ ‏دائما‏: ‏ما‏ ‏أهمية‏ ‏أن‏ ‏يدرس‏ ‏الطفل‏ ‏قصيدة‏ ‏تصف‏ ‏معركة‏ ‏أو‏ ‏جبلا؟‏ ‏لماذا‏ ‏لا‏ ‏يكتبون‏ ‏لنا‏ ‏عن‏ ‏أحلامنا‏ ‏وهمومنا‏, ‏ورغم‏ ‏تفوقه ‏فى ‏اللغة‏ ‏العربية‏ ‏إلا‏ ‏أنه فشل‏ ‏فى ‏حفظ‏ ‏تلك‏ ‏الأشعار‏ ‏وتمني‏أن‏ يصبح‏ ‏شاعرا‏ ‏للأطفال‏ ‏ليكتب‏ ‏لهم‏ ‏ما‏ ‏يتمنون‏, ‏فاحتفظ‏ ‏برغبة‏ ‏انتقامية‏ ‏بداخله ‏ ‏من‏ ‏تلك‏ ‏النصوص‏ ‏الشعرية‏ ‏المدرسية‏ ‏السخيفة‏, ‏وكتب‏أول‏ ‏مجموعة‏ ‏شعرية‏ ‏للأطفال‏ ‏فى ‏أواخر‏ ‏الثمانينيات‏ ‏ ‏ ‏بعنوان‏ ‏»ويضحك‏ ‏القمر»‏ ‏وفاز‏ ‏بجائزة‏ ‏الدولة‏ ‏التشجيعية‏ ‏عنها‏ ‏عام‏ 1991 ‏فأدرك‏ أنه‏ ‏حقق‏ ‏حلمه‏ واختيرت‏ ‏أشعاره‏ ‏ ‏ضمن‏ ‏المناهج‏ ‏الدراسية‏ ‏فى ‏المرحلة‏ ‏الابتدائية‏.‏

‏‏تناولت هذه الأشعار كل ما هو مبهج، فواحدة عن الربيع وأخرى عن الحواس الخمس وثلاثة عن ‏مشاعر‏ ‏الطفل‏ ‏تجاه‏ أبويه‏ ‏ومعلميه‏.‏ من قريته «سروهيت» بمحافظة المنوفية إلى مسكنه فى بولاق الدكرور -- أحد أفقر الأحياء الشعبية - بمحافظة الجيزة, هذا الواقع المتقشف الحكائى تشكلت مفرداته ورؤيته، حيث الحياة نحيلة وناطقة بالألم من كل الوجوه فى حقيقتها كتب مفتوحة لحكايات هذا الشعب الموجوع، وكذلك الأفراح المؤجلة أو قصيرة العمر فى أفضل الأحوال، وبين هذين القوسين «الوجع والتهلف إلى الفرح» سرديات كثيرة تفرض حضورها الإنسانى، ومن ثم اللغوى، حيث كل شيء واضح ولا ضرورة للثرثرة، ليأتى دور المبدعين فى قراءة ما وراء المشهد أو التحريض على اكتشافه ارتبط بمجلة» قطر الندى» التى رأس تحريرها على مدار عدة سنوات, وتبنّت انتصارات المقاومة، وحدّثت قراءها الصغار عنها، وأصدر أعداداً خاصة عن هذا الحدث المبارك.

فى أحد حواراته معى قال إن ما حدث فى الفترات السابقة من شراء ذمم بعض مثقفينا الذين خدعونا من قبل، كشف عن انهيار منظومة كاملة من الزيف الثقافى الذى أسسته رموز كنا نصدقها وطالب –وقتها- بضرورة عقد حلقات بحثية تناقش قضية المتحولين لتساعد فى حماية المثقف المصرى القادم من السقوط فى مثل هذه الحبائل التى ساهمت فى إطالة عمرالفساد، لأن خيانة المثقفين لشعوبهم وتهربهم من القيام بدورهم شجع على بقاء الوضع على ما هو عليه, ولا عزاء للمثقفين الشرفاء أمثال العز بن عبد السلام والمفكر الإيرانى الشهيد الدكتور على شريعتى والمفكر الجزائرى مالك بن نبى وشاعر تركيا العظيم ناظم حكمت وعزاؤنا أن التاريخ الثقافى لن ينسى مثل هذه الخيانات.

ويعتقد «زرزور» إن خيانة المثقفين ترتكز على مجموعة من الاعتقادات والقناعات الخاصة بهم منها أنهم النخبة المنتقاة من الشعب والتى تتمتع بالذكاء والإدراك الحقيقى للأمور، وأن الجماهير مطالبة بالسير خلفها طائعة أو مجبرة دون محاولة للفهم والمعرفة، وربما يعتمد هؤلاء على الهالة التى يحيطون أنفسهم بها كنخبة مميزة، لا تجرؤ ولا تملك الجماهير البسيطة التى تعانى من الأمية على مواجهتها، خاصة أنهم أهل الكلام والتبريرات الجاهزة، وهنا تكمن خطورة هؤلاء. رحم الله شاعرنا العظيم الذى غادرنا فى مثل هذه الأيام قبل 9 سنوات وعوضنا عنه خيرًا.

[email protected]