رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

 

 

إن أكثر الأشياء إثارة للرعب والهلع لدى جماعات الإسلام السياسى ولدى الأصوليين عمومًا هو الخوف من الاختلاف أو المغايرة، إنهم دومًا يحلمون بعالم يسوده التشابه والتماثل والاستواء، عالم أقرب إلى عالم الدُمى والآلات والروبوتات، عالم يخلو من أى نزوعات فردية أو ذاتية تنشد الحرية أو الاستقلال! ترى لماذا هذا الشغف بالمماثلة والمشابهة والنمطية؟

أعتقد أن هوس المماثلة لدى الأصولى ينبع من طبيعة الفكر الدينى ذاته، الذى يتطلب الخضوع والاستسلام، وهناك جدلية واضحة بين المماثلة والخضوع، فالامتثال يقتضى محو أية فروق فردية وقمع أية نوازع ذاتية، ويظهر ذلك واضحًا فى كافة التفاصيل الدقيقة والصغيرة فى الحياة اليومية، بدءًا من الأشياء التافهة والعابرة حتى الأشياء المهمة والمصيرية.

والجدير بالذكر فى هذا السياق أن كل جماعة من الجماعات الدينية تعتبر نفسها نسقًا مستقلًا داخل المجتمع، هكذا يفعل السلفيون والجهاديون والإخوانيون. كل جماعة من هذه الجماعات تكون لها عاداتها وطقوسها وتعاليمها الخاصة، التى غالبًا ما تؤدى إلى تكفير غيرها من الجماعات، وتكفير المجتمع الذى تناصبه العداء، وربما تلجأ إلى هجرة هذا المجتمع والابتعاد عنه كما فعلت جماعة التكفير والهجرة فى السبعينيات من القرن الماضى.

وليس المظهر لدى أعضاء الجماعات الإسلامية شيئًا عارضًا أو هامشيًا، بل على العكس هو شيء شديد الأهمية، لذلك يحرص أعضاء كل جماعة أن يكون لهم زى موحد (الجلباب الأبيض أو البنطال القصير) وتلتزم معظم فصائل الجماعات السلفية بإطلاق اللحى، وبعضهم يضع غطاءً على الرأس بالنسبة للرجال، أما نساء جماعات الإسلام السياسى فيلتزمن بالزى الإسلامى ويضعن إما الحجاب أو الخمار أو النقاب. وكل جماعة لها تقاليدها الخاصة فى المأكل والمشرب، وحتى فى الألقاب التى تُطلق على الأفراد، والتى يجب أن تكون منتمية للثقافة الإسلامية، لذلك قد يلجأ البعض إلى اختيار أسماء مغايرة تكون بديلًا عن الأسماء الفعلية المدونة ببطاقة الهوية مثل «أبو حفص» وما شابه ذلك، ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل إن لغة الأصولى والكلمات المتداولة التى يستخدمها لابد وأن تصطبغ بالصبغة الإسلامية، فمن المستحسن استخدام اللغة العربية فى لغة الحديث اليومى واستخدام التحية الإسلامية «السلام عليكم» بديلًا عن التحايا البعيدة عن روح الإسلام فضلًا عن تقديم المشيئة قبل الحديث عن نية الفعل، فنقول مثلًا «إن شاء الله سأواصل دراستي».

والهدف من وراء كل ذلك هو نحت هوية بديلة تكون مغايرة للهوية القائمة، وإدخال أفراد الجماعة فى حالة من التماهى مع الكل بحيث تذوب وتختفى كافة الفوارق وتنمحى الفواصل التى تُميز بين الأفراد.

ويؤكد الشيخ حسن البنا فى رسائله على أهمية مراقبة الحياة العامة والخاصة وضبط سلوك الأفراد والجماعات بما يلائم تعاليم الإسلام، ومما يذكره فى هذا الصدد مثلًا: استخدام الأزهريين فى الوظائف العسكرية وتدريبهم، وتشديد العقوبات على الجرائم الأدبية، والقضاء على البغاء بنوعيه السرى والعلنى، والقضاء على القمار بكل أنواعه، ومحاربة الخمر والمخدرات، ومقاومة التبرج والخلاعة، وإعادة النظر فى مناهج تعليم البنات ووجوب التفريق بين مناهجهن ومناهج الصبيان، ومنع الاختلاط بين الطلبة والطالبات وتجريم الخلوة غير الشرعية، وإغلاق المراقص وتحريم الرقص، ومراقبة دور المسارح والسينما والأغانى والروايات والصحف والمقاهى والمصايف... الخ، وإعادة الاعتبار إلى دعاوى الحسبة، وضم المدارس فى القرى إلى المساجد، وتقرير التعليم الدينى مادة أساسية فى كل المدارس، وتشجيع تحفيظ القرآن فى المكاتب العامة الحرة والعناية باللغة العربية، والتفكير فى الوسائل المناسبة لتوحيد الأزياء فى الأمة تدريجيًا، والقضاء على الروح الأجنبية فى البيوت من حيث اللغة والعادات والأزياء والمربيات والممرضات... الخ.

إن رهاب المغايرة وهوس المماثلة هما وجهان لثقافة قمعية واستبدادية لا ترتضى بديلًا عن أن ترى ذات الآخر مجرد استنساخ وتكرار لذاتها. إنها ثقافة الخوف الدائم من الآخر، من المرأة، من الإبداع، من الحرية، بل ومن الحياة بكل تراثها وخصبها وتنوعها.