عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

عطر الأحباب

 

 

 

فنان قدير متمكن يملك موهبة بث السعادة وإشاعة مشاعر الطمأنينة والثقة، ويعبر وجهه دائما عن ذلك التصالح الاستثنائى النادر مع الحياة بلا غل وضغينة، كأنه يطالبنا بالانصراف عن الحسابات المعقدة ولوغاريتمات المصالح والصفقات. الحياة بالغة البساطة، والعمر قصير، فلماذا نفسد المشهد غير القابل للتكرار؟.

ليس مستغربا أن يكون سليمان بك نجيب «1892-1955» أول مدير مصرى لدار الأوبرا، وهو المنصب المرموق الذى كان يحتكره الأجانب وحدهم منذ إنشاء الأوبرا. فى أناقته ولباقته وثقافته الرفيعة، وفى شخصيته المتفردة التى تمزج بانسجام يخلو من النشاز بين الشرق والغرب، ما يؤهله للوظيفة ذات الشأن، ويجعله من المقربين للملك فاروق، مستحقًا للقب «البك» الذى يتوافق مع انتمائه العائلى وتعليمه الراقى.

فى فيلم «الدكتور»، 1939، الذى يتقاسم سليمان بطولته مع أمينة رزق، ويشترك فى كتابة القصة والحوار مع عبد الوارث عسر، ما يكشف عن جوهر أفكاره الإصلاحية، فى إطار الاعتدال والمحافظة على النظام، أما عن أسلوب أدائه التمثيلى فيخلو من الافتعال والانفعال الكاذب، ويتسلح بالثقة والبساطة.

لم يكن سليمان كاتبا سينمائيا فحسب، بل إنه أيضا ممن يرتبطون بالصحافة والإذاعة، وينشر كتابا ذا عنوان غرائبى :»مذكرات عربجي»، والاسم المستعار على الغلاف: حنفى أمين محمود. أسلوب الكتابة مثل منهجه فى التمثيل، والمشترك: سخرية لاذعة موجعة ومعالجة عميقة بسيطة.

كثيرة هى الأفلام التى يتألق فيها سليمان، مثل «بنت الأكابر» و»لهاليبو» والنسخة الناطقة من «زينب»، لكن التوهج الخلاب الذى لا يتبخر من الذاكرة يقترن بفيلميه مع نجيب الريحانى :»لعبة الست» و»غزل البنات».

يقدم فى الفيلم الأول شخصية تاجر مصرى يهودى، لا يختلف فى شيء ذى بال عن المسلمين والمسيحيين، والثقة التى يضعها فى تابعه المسلم تكشف عن طبيعة المجتمع المصرى المتسامح البعيد عن التعصب وضيق الأفق، أو الذى كان كذلك قبل أن يتشوه ويتآكل فى عقود تالية.

 الباشا العصبى الطيب، سريع التوتر قبل أن يعود إلى واحة الصفاء، فى «غزل البنات»، أقرب أدوار سليمان إلى قلوب الملايين من عشاقه. حواراته مع الريحانى بمثابة المبارزة الممتعة بين عملاقين ينتميان إلى مدرستين مختلفتين، لكنهما يشكلان ثنائيا متكاملا لا يُنسى سحر المشاهد التى تجمعهما.

على صعيد الحياة الشخصية، كان سليمان بك أرستقراطيا شعبيا خفيف الظل، وبفضل سماته هذه فإنه يمثل كأنه لا يمثل، ويوحى لمن يشاهده أن التمثيل ليس عملا شاقا، فهو مثل شرب الشاى وتدخين السيجارة وإلقاء تحية الصباح بمودة على الجيران الأقربين.

صداقته مع العملاق زكى رستم مبررة منطقية، فكلاهما ينتمى إلى طبقة واحدة، ويتسلحان بالثقافة الرفيعة والإيمان الأصيل برسالة الفن، وكلاهما أيضا لا يقدم على تجربة الزواج، إيثارًا للحرية وابتعادًا عن القيود.

على الرغم من علاقته الوثيقة مع الملك فاروق، لا يصطدم سليمان مع ضباط يوليو، ثم يتحرك الوشاة المحترفون ببراعتهم المعهودة فيبعدونه. يقنع الرجل فى سنواته الثلاث الأخيرة بحياة الهدوء، فهو ليس سياسيا محسوبا على حزب واتجاه بعينه، وليس ممن يسيرون أيضا فى مواكب النفاق. لا شك أنه لم يكن منسجما فى أعماقه مع النظام الجديد، لكنه يستمر فى عمله الفنى بلا عوائق، ويموت فى هدوء تاركا ثروته الصغيرة لدار الأوبرا وبعض خدمه. تُرى كيف يكون شعوره لو امتد به العمر ليشهد حريق الأوبرا التى منحها أجمل سنوات عمره؟. لا بد أنه الموت من فرط الحسرة!.

سليمان بك نجيب، الأنيق المهذب، صاحب الوجه الهادىء المريح، واحد ممن يمنحون الشعور بأن الحياة ليست موغلة فى السوء والابتذال والسوقية، وفيها من الخير والرقى والجمال ما يستحق أن نعيش له.