رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ضوء فى آخر النفق

 

 

 

قالت له الطبيبة: أنت الآن على شفا حفرة. بحاجة عاجلة إلى إنقاذ. ارتعب. نفذ أوامرها بالحرف. ذهب إلى أقرب بنك للدم فى مستشفى حكومى لمساعدته فى التخلص من نسب «الهيموجلوبين» التى بلغت اعلى معدلاتها عنده. ساوره اعتقاد بان وظيفة بنوك الدم فى مصر مزدوجة: أن تتلقى التبرع وتحتفظ بكميات من فصائل الدم تنقلها لمن يحتاجها، وأيضاً المرضى الذين لديهم دم، وتفرض ظروف استشفائهم التخلص من كميات منه، أن تساعدهم على ذلك، فتقبل ما يسمونه بـ«التبرع العلاجى»، وهو يعنى سحب كميات منه وإعدامها فورًا. كان هذا اعتقاده، الذى تحطم على صخرة إصرار مديرات بنك الدم فى ثلاث جهات مختلفة على رفض الطلب، والتأكيد بأنهم ليس لديهم هذه الخدمة! فى مستشفى الشاملة بشبين القناطر وهو حكومى.. رفضت المديرة متذرعة بحداثة نشأة البنك وغيبة الإمكانيات. رفضت بحسم ولكنها لم تكتفِ بذلك وإنما قالت: يمكنك الذهاب إلى «أسنيت»-وهى مجرد قرية تبعد 60 كلم عن القاهرة ولا تضاهى مدينة شبين القناطر فى الخدمات- أو بنها! أضافت: قِرب الدم مخصصة للمريض اللى هيتنقل له دم.. إنما أملأ واحدة بدم لن استفيد منه وهيترمى؟ لا لا.. روح أسنيت أو روح بنها!

قطعَ الطريق من شبين القناطر قاصدًا الجهة الأكبر التى تصور أنها لا ترد طلبا يتعلق بالدم لأى مصرى. ذهب وكتب استمارة التبرع، تملؤه الثقة بأنه وصل وجهته. وأدلى ببيانات صحيحة عن عمره وأمراضه المزمنة الخ. وهناك صدمته المديرة مجددًا ورفضت تماما -ولكن بأدب جم–تبرعه العلاجى! سألها لماذا وأنتم بنك الدم المركزى على مستوى الدولة؟ كيف لا تقدمون هذه الخدمة العلاجية؟ قالت هناك جهة وحيدة مختصة وهى «هيئة المصل واللقاح»! سألتها: أيمكن لجهة واحدة مثلها أن تقدم هذه الخدمة لنحو مائة مليون مصري؟ قالت: لا تكفى فعلًا، لكن ليس كل هؤلاء بحاجة إلى مثل هذا النوع من التبرع العلاجى. قال لها: ألا يجدر بمديرة أكبر بنوك الدم المطالبة بتقديم مثل هذه الخدمة للمرضى؟ قالت نعم أطالب..ولكن القوانين واللوائح لا تسمح!

ذهب إلى هيئة المصل واللقاح.. كان المرضى «مرطرطين» فى كل مكان. وجد كثيرًا منهم فى عراء المكان. وكانت طريقة النداء عليهم لا علاقة لها بالقرن العشرين! طلب من الطبيبة المختصة سحب كمية الدم. صدمته مجددًا بطلبها إليه الذهاب لدفع رسوم قدرها 200 جنيه، ولكن فى مكان بعيد خارج الهيئة! هذا الستينى الذى جاءها بمفرده، مطلوب منه أن «يخرج» ليبحث عن المكان الذى ستوجهه إليه الطبيبة ليدفع فيه رسوم الخدمة التى ستقدمها له فى «داخل» الهيئة؟ صدم من الطلب ومن الفكرة.. فحرارة الجو تميت القلب، والبحث فى أرجاء منطقة العجوزة يشعره بالإجهاد قبل أن تبدأ الرحلة! شكرها وغادر عائدًا إلى شبين القناطر يندب تلك الخيبة. فكر فى مقولة «عرابى» الشهيرة: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا؟ وفكر بطلب معمل خاص يأتيه لسحب الدم. فلما حضروا تذكر ذلك المشهد البائس وهو يحمل شقيقته وقد دخلت فى غيبوبة إلى نفس المستشفى (الشامل)، والطبيب يطلب منه أن يبتاع من ألصيدليات (!!) «ماسك أوكسيجين» لعدم توافره بالمستشفى!