رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

حاولنا فى المقال السابق أن نُقدم قراءة تحليلية وجدلية لعلاقة الذات بالآخر، من خلال رصد التحولات التى داهمت الواقع العربى، وخاصة مصر منذ هزيمة 1967 وحتى انتفاضات الربيع العربى. ولا ريب فى أن هذه الأحداث الأخيرة قد كشفت لنا عن العلاقات المريبة التى تربط جماعات الإسلام السياسى بالآخر الغربى - الأوربى، وهذا ما يؤكد الفرضية التى أشرنا إليها سابقًا، وهى أن الأصوليات الإسلامية والرأسمالية الغربية (خاصة الأمريكية) يلتقيان فى كثير من المنطلقات والأهداف، وكلاهما يتعايش بالآخر ويتدعم به، فلا يوجد تناقض حقيقى وأصيل فيما بينهما.

وقد ظهر هذا التواطؤ الخفى بصورة واضحة بعد زلزال الربيع العربى الذى كشف مدى عمق وتداخل المصالح بين تيارات الإسلام السياسى وبين الآخر الأمريكي؛ إذ كشفت الأحداث اللاحقة أن الجماعات الإرهابية: الإخوان والقاعدة وطالبان وداعش، هم أقوى الأسلحة التى تخدم الاستراتيجية الصهيوأمريكية، فعن طريق هذه التنظيمات استطاعت الولايات المتحدة الأمريكية فى أوائل التسعينيات إرهاق وإنهاك الاتحاد السوفيتى، وانتهى الأمر بتفكيك تلك الإمبراطورية العملاقة! وعن طريق هذه الجماعات المارقة تحقق للعدو الصهيونى إنجازات أقرب للمعجزات، إذ تحولت دول مثل العراق وليبيا وسوريا والصومال والسودان واليمن إلى مجتمعات قبائلية تحيا على هامش التاريخ، أو إن شئنا الدقة تحيا خارج التاريخ، ولم تزل مصر مُهددة بنفس المصير ما لم يتم تجفيف منابع الإرهاب والتصدى بكل حسم وقوة لكل محاولة تستهدف أسلمة الحياة السياسية والثقافية والتعليمية اليومية.

إن انسحاب الأمريكان من أفغانستان وعودة طالبان مؤشر يفضح خيوط هذه المؤامرة، ويؤكد أن هذه التنظيمات هى مجرد أدوات تشبه العرائس المتحركة فى أيدى أجهزة الاستخبارات الأمريكية والغربية، وأنها جاهزة لاستخدامها فى الوقت الذى تريده، ورغم أن احتلال أمريكا لأفغانستان قد استمر قرابة العشرين عامًا، إلا أن شيئًا لم يتغير فى البنية الحضارية لهذه المجتمعات، ما يدل على أن شعارات الديمقراطية، والحرية، وحقوق الإنسان لم تكن سوى غطاء أيديولوجى وشعارات ديماجوجية تم استخدامها لتبرير الاحتلال وتخدير الشعوب المقهورة.

إن عودة جماعة طالبان الإرهابية إلى أفغانستان له العديد من الدلالات، فقد تم ذلك بمباركة وترحيب من الأمريكان، ولم يكن هناك أدنى مقاومة، إذ تم اجتياح البلاد بأكملها فى غضون أسابيع، واستسلم القادة العسكريون دون قتال فى غضون ساعات قليلة وهرب الرئيس «أشرف غني» خارج البلاد فى 15 أغسطس بعد دخول الحركة لقلب العاصمة كابل واحتلالهم القصر الرئاسي!! كل هذه الأحداث المتسارعة تؤكد أن المرحلة القادمة ستشهد المزيد من نشاط وانتعاش الحركات الجهادية فى منطقة الشرق الأوسط، فضلًا عن أن أفغانستان ستصبح بؤرة حاضنة لتجميع كافة عناصر الإسلام الحركى والجهادى، ما قد يستنفر قوى المعسكر الشيعى فى إيران وخارج إيران وربما نشهد حربًا مقدسة بين السنة والشيعة.

إن كل الاحتمالات والسيناريوهات لم تزل قائمة، ولكن الأمر الذى لا شك فيه أن عودة طالبان لأفغانستان بعد عشرين عامًا من التواجد خارج الحكم يؤكد لى ما أومن به، وهو أن خطر الإرهاب لم ينته، وقياسا على ذلك فمن السخف أن نتصور أن حل جماعة الإخوان فى مصر قد قضى على أحلام وآمال هذا التنظيم الخطير، لماذا؟ لأن أفراد جماعة الإخوان والجماعات السلفية التكفيرية لم تزل تنتشر فى مؤسسات الدولة المصرية، والأخطر من ذلك أن أفكار الإخوان وداعش وطالبان لم تزل تستوطن العقل الجمعى المصرى وتتحين الفرصة الملائمة للظهور والانفجار عندما تتهيأ لها الظروف المناسبة. من السذاجة إذًا أن نتصور أن تجفيف منابع الإرهاب مسألة أمنية، لا أيها السادة إن تجفيف منابع الإرهاب لن يحدث إلا إذا امتلكنا الجرأة على الفصل بين المقدس والدنيوى فى خطابات التعليم والسياسة والقانون والدستور والحياة اليومية، وبغير ذلك أتصور أننا نمارس ما يُسميه «جان بول سارتر» «سوء الطوية» أو خداع الذات، أو الكذب على الذات!!