رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

 

ترتبط العلاقة بين الأنا والآخر فى خطاب الأصوليات الإسلامية بأزمة الهوية، وهى أزمة ارتبطت فى مرحلة التحرر الوطنى فى الستينيات بالصراع بين الشعوب العربية الإسلامية التى تتطلع إلى التحرر والاستقلال، وبين القوى الاستعمارية الغربية التى تستعبد هذه الشعوب وتسلبها الحق فى الحرية والوجود. ولكن بعد هزيمة يونيو 1967، ومع انهيار الدولة القومية، اتخذ الصراع مع الآخر الغربى طابعًا غامضًا ومشوشًا ومعقدًا، ثم ما لبث أن تحول الجرح النرجسى للهزيمة إلى تضخم للذات التراثية، تمثل فى تصدر الأيديولوجيات الأصولية الإسلامية للمشهد الثقافى والسياسى، وتراجع السرديات القومية والثورية ذات المنحنى الاشتراكى والتقدمى، وشهد العالم العربى موجات متتابعة من صعود وتنامى وتغول تيارات الإسلام السياسى الإخوانى والجهادى والسلفى، مما أطلق عليه فى حينه اسم «الصحوة الإسلامية». ومنذ ذلك الحين لم يعد الصراع بين الغرب والشرق صراعًا سياسيًا، بل اتخذ صبغة لاهوتية، وكذلك لم يعد الصراع العربى الإسرائيلى صراعًا حدوديًا أو سياسيًا، بل أصبح صراعًا وجوديًا، واتخذ طابعًا عقائديًا خاصة مع تأسيس «حركة حماس» عام 1987، وهى حركة ولدت من رحم الإخوان.

ولا شك فى أن صحوة الأصوليات الإسلامية منذ السبعينيات وحتى الآن كانت سببًا مباشرًا فى بعث هاجس الهوية الدينية من مرقده القديم، وعودة أحلام الخلافة ومجد الدولة الإسلامية. وكان من نتيجة ذلك أن اتجهت تلك الأصوليات إلى السعى بكل قوة وإصرار على تديين الفضاء العام وأسلمة الحياة السياسية والاقتصادية واليومية، وتحريم الفنون والآداب ومحاصرة الإبداع والمبدعين، وانتشر الحجاب والنقاب بين النساء والفتيات فى المؤسسات والمدارس والجامعات، وازدادت الدعاوى المطالبة بالفصل بين الرجال والنساء فى المواصلات وفى مدرجات المدارس والجامعات، كما تعالت الأصوات المنادية ببقاء المرأة بالبيت وحرمانها من الخروج للعمل أو المشاركة فى الحياة العامة!

من جانب آخر ظهرت تقليعة شركات توظيف الأموال الإسلامية، خاصة شركات السعد والريان، التى حاولت أن تكون بديلًا لبنوك الدولة الكافرة! وتصاعدت موجات الإرهاب ضد المسيحيين، وضد السياح الأجانب، وضد المثقفين (مثل اغتيال فرج فودة فى 8 يونيو 1992، ومحاولة اغتيال نجيب محفوظ فى 14 أكتوبر 1994)، وقد كانت واقعة قتل السادات فى 6 من أكتوبر 1981 أثناء الاحتفال بذكرى انتصار أكتوبر بمثابة المشهد الحاسم فى هذه الدراما السياسية الفاجعة، إذ قام الأبناء من الجهاديين بقتل الأب الذى قام برعايتهم وتربيتهم وإعدادهم، فكانوا مثالًا صادقًا للأداة التى اغتربت وتنكرت لصانعها وخالقها.

وتصل العلاقة بين الذات والآخر إلى قمة توترها بعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر 2001، حيث استدعت هذه الأحداث المكبوت الدينى من الأعماق السحيقة فى اللاوعى الجمعى للجماهير المؤدلجة سواء فى الشرق أو الغرب، وأظهرت الأحداث أن آثار الماضى لم تندثر بعد، وأنها لم تزل حية وكامنة، وقادرة على ممارسة دورها لدى قطاعات كبيرة من الناس سواء فى الغرب المسيحى أو الشرق المسلم.

ومع هبوب رياح التغيير التى فرضتها أحداث انتفاضات الربيع العربى، تزداد العلاقة بين الذات والآخر تعقيدًا وغموضًا، فقد أثبتت الأحداث مدى هشاشة وتفاهة بقايا الأنظمة ذات الجذور القومية والراديكالية، كما أظهرت مدى تهافت وتشرذم القوى السياسية الليبرالية واليسارية، وأظهرت أيضًا أن الشارع العربى والجماهير العربية فى مجملها مُسيسة بصورة دينية، وأن جماعات الإسلام السياسى بفصائلها المختلفة هى الأكثر حضورًا وتنظيمًا وتأثيرًا فى الشارع العربى.

أخيرًا كشفت الأحداث عن أن التناقض بين الرأسمالية الأمريكية والأوروبية وبين قوى الإسلام السياسى الأصولى ليس قائمًا، وأن الولايات المتحدة الأمريكية يمكن لها بسهولة أن تتخلى عن دعمها لقيادات الأنظمة العربية، وأن تضحى بها على مذبح التغيرات الراديكالية الإسلامية، طالما وأن هذه التغيرات الأخيرة قد نجحت باقتدار فى تفكيك وتفتيت دول بأكملها مثل العراق وليبيا وسوريا والسودان، وأحالتها إلى مجرد قبائل وطوائف متناحرة.

إذن أين يكمن رهاب الخوف من الآخر طالما يحدث هذا التقارب بين الآخر الأمريكى – الأوروبى وبين جماعات الإسلام السياسي؟ تُرى هل استطاعت المصالح أن تتصالح، وأن يتم حسم الصراع وإزالة التناقض التاريخى؟

لنؤجل الإجابة إلى مقالنا القادم.