رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ندى

عندما رحل جابرييل جارسيا ماركيز، خرجت كولومبيا عن بكرة أبيها حزينة على وفاة ابنها البار وصاحب «مائة عام من العزلة»، فغادر الرجل الحياة محتفى به دون عزلة، محاطا بآلاف الناس الذين حرصوا على تشييع كاتبهم المفضل.

ونحن مازلنا نعيش المشهد المتكرر, يُصاب الكاتب أو المبدع بانهيار شامل فى جسده بعد أن تخلى الجميع عنه، يلزم فراشه وحيدًا، يصبح معزولًا عن العالم، ينساه من يعرفه، ويتجاهله من قرأ له، ويتنكر له كل من تتلمذ على يديه، يواجه ألَم المرض وقسوته، ولعنة الجحود والنسيان منفردًا مجردًا من أى سلاح، يدفع ثمن الكتابة والفكر والإبداع، وكأنها جريمة يُعاقَبُ عليها صاحِبُها بأقصى أنواع العقوبة, ثم يرحل فى هدوء وتنطوى صفحته، حتى إذا تذكر أحد بعض أعماله, أو ورد اسمه فى أحد المحافل، أقيمت سرادقات العزاء من جديد، وعقدت الندوات التى تتحدث عن مناقبه، وظهرت أعماله للنور، وطبعت عدة طبعات ليستفيد منها أصحاب دور النشر.

وفى بداية الأسبوع الحالى فقد الوسط الثقافى الشاعر حسن رياض أحد فرسان الكلمة، تميز بأسلوب خاص فى التعبير عن المشاعر السامية، كتب العديد من الأغانى المهمة لعدد كبير من أشهر المطربين، أبرزهم محمد منير ومحمد فؤاد وعلى الحجار وطارق فؤاد وأحمد منيب وأمل وهبى وإيهاب توفيق وعاطف متولى وسيمون, كما شارك فى اكتشاف العديد من المواهب فى الشعر والغناء، ولعب دورًا كبيرًا فى نشر الثقافة والمعرفة من خلال عمله بقصور الثقافة، متصديًا للأفكار الظلامية، كما شارك فى المئات من الأمسيات الشعرية المختلفة، سواء فى قصور الثقافة، أو المجلس الأعلى للثقافة، إلى جانب اللقاءات التى نظمتها مؤسسات المجتمع المدنى.

يحكى عنه صديقه ورفيق دربه الشاعر الغنائى جمال غانم قائلاً: فى أيامة الأخيرة ابتكر صالونا فنياً غير تقليدى وأسماه «قهوة الخميس» على أحد مقاهى حى الجمالية, وكان معترضا على الفكرة فى البداية, ولكنى أقنعته بها نظراً لكونها غير تقليدية وحينما يحل الأجل سيكون هذا الاسم مقترنا به وهو صاحب فكرته وبالفعل أنجز الفكرة وتسارع إليه المطربون أمثال حسن عبدالمجيد وناصر المزداوى والملحنون حسن دنيا وهانى شنودة وبعض المثقفين والشعراء, وكنت أصطحب بعضًا من رفقاء الدرب من الشعراء جمال الأقصرى ومحمد رجب فكنا لا نفترق عن بعضنا, فى كل المناسبات نجتمع معا وكان آخرها ليلة يوم عرفة «وقفة العيد الكبير» التقطنا بعض الصور معا بمنزل محمد رجب وغادرنا إلى منازلنا فى تمام الساعة الثانية والنصف بعد منتصف الليل وواصلنا الصيام والتقينا على المقهى ليلا وكان بصحبتنا صديقنا الممثل محمد خليل وجلسنا للثانية صباحاً ثم انصرفت وكان من المفترض أن نتقابل مساء أول أيام العيد ولكنى مرضت بعد صلاة العيد ولم أستطع الذهاب لأى مكان واتصل بى ولم أسمع, وعلمت أنه سيذهب ثالث أيام العيد لوالدته ليقوم بشئونها, بعد أن تقاسم هذه المهمة الشريفة مع إخوته, وفى طريق عودته أصيب بوعكة صحية حادة, سرعان ما تطورت, وذهبت إليه بصحبة صديقنا الشاعر محمد رجب لمستشفى الشيخ زايد وهو فاقد الوعى تماما, وطالبنا نجله بالانصراف على أن ينصرف هو بعدنا بساعة, وحدث بالفعل وفى تمام الساعة الثامنة صباحا استيقظت على مكالمة من هاتف حسن رياض بمن يبلغنى برحيل صديق العمر.

وليلة - صالونه الأخير- عزائه لم يحضر إليه كل من ادعى حبه ولكن حضر إليه كل من كان يحبه لشخصة البسيط المحب الكريم الودود النقى الطيب الشهم الجدع, صاحب المبادئ التى لقى ربه عليها, ولم يخسر من اختلف معه, بل عامله بمبدأ «اختلاف الرأى لا يفسد للود قضية».

والآن بعد أن شربنا الرشفة الأخيرة من «قهوة الخميس» لا نملك إلا الدعاء لصاحبها بالرحمة والمغفرة والرضوان.

[email protected]