رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

 

أصبح الرأى العام والإعلام ووسائل التواصل الاجتماعى فى مصر لا شاغل لها هذه الأيام سوى متابعة وملاحقة أخبار الجرائم الأسرية: زوجة تقتل زوجها وتمثل بجثته، أم تقتل أولادها بدم بارد من أجل عشيقها، طبيبة تخدر زوجها وتبتر أعضاءه التناسلية...!! كيف تحولت إيزيس المصرية من إلهة الحب والحياة والخلود إلى إلهة الدم والبغض والموت والفناء؟

إن الإجابة عن هذه التساؤلات الحائرة نجدها ماثلة فى التحولات التى طرأت على وضع المرأة المصرية عبر التاريخ، فالتاريخ يُقدم لنا تفسيرًا مُرضيًا لهذه التحولات الكارثية التى تبدو للوهلة الأولى غير مفهومة. ماذا يقول التاريخ؟

يقول التاريخ إن المرأة المصرية قد احتلت فى الحضارة الفرعونية أعلى مكانة يمكن أن تصل إليها المرأة فى التاريخ، ففى هذه الحضارة كانت المرأة مساوية تمامًا للرجل، وربما فاقته قيمة ومنزلة، إذ تمتعت النساء بوضع عظيم ومقدس، فهى إيزيس إلهة الخصب والنماء وواهبة الحياة، وهى «ماعت» إلهة العدل، وهى «حتحور» إلهة الحب، و«سخمت» إلهة القوة. بكلمة واحدة كانت المرأة فى الحضارة المصرية القديمة ملكة فى البيت وفى المعبد وفى القصر.

هذا الوضع الفريد والمتفرد تغير فى المراحل التالية لتاريخ الإنسانية، ففى الحضارة اليونانية كان يُنظر إلى المرأة نظرة ازدراء، فقد كان أفلاطون يحتقر أمه لأنها أنثى، وكان أرسطو يساوى بين المرأة والعبد.

وقد بلغت النظرة الدونية قمتها مع تقاليد الديانات الإبراهيمية والتى أضفت طابعًا مقدسًا على هذه النظرة، ففى كتابات العهد القديم تظهر النساء مخلوقات ذليلة مُهملة، وفى الوصايا العشر توضع الزوجة ضمن مقتنيات الرجل إلى جانب الأشياء الأخرى كالثور والحمار (سفر الخروج 17 – 20). والمرأة فى المسيحية هى الإناء الضعيف، والرجل هو رأس المرأة مثلما يكون المسيح هو رأس الرجل! أما التراث الإسلامى فهو زاخر بالعديد من النصوص التى تميز بين الذكور والإناث لصالح الذكور بالطبع، فالمرأة مخلوقة من ضلع أعوج، وهى فتنة وعورة وناقصة عقل ودين ولا تصلح للنبوة والإمامة والقوامة.

وقد ازدادت وطأة هذه التقاليد الأبوية الذكورية فى العصر الحديث مع خضوع العالم العربى لدولة الخلافة العثمانية، ثم تعززت هذه النظرة الدونية للمرأة مع اجتياح السعودة وقيم الإسلام الوهابى لمصر خاصة فى عصر الانفتاح الساداتى الذى ساعد على نمو وازدهار كافة القيم البدوية والصحراوية والذكورية من خلال أدلجة الجماهير بخطاب دينى شديد التطرف والتخلف والغباء.

ورغم كافة التغيرات السياسية التى طرأت على العالم العربى بعد أحداث انتفاضات الربيع العربي، ورغم هذا الحراك السياسى الذى أطاح بعدد لا بأس به من الأنظمة العربية، ورغم زحف قيم الحداثة والتحديث على الحياة اليومية للبشر فى أشد المناطق تريفًا أو تخلفًا، إلا أن الوعى لم يتغير، بل إنه أصبح وعيًا منحطًا نتيجة انهيار الفن وتآكل قيم الطبقة الوسطى فى مقابل اتساع ثقافة الدهماء والغوغاء كنتيجة طبيعية لتوحش الرأسمالية وتزايد جيوش العاطلين من خريجى الجامعات وانضمامهم لصفوف الفقراء والمهمشين الذين باتوا يفتشون عن منقذ أو مخلص، وعادة ما يتبنون – رغم قشرة الحداثة – أكثر القيم تخلفًا وهمجية.

فى ظل هذا المناخ تعانى المرأة- بوصفها الكائن الأضعف- قهرًا مزدوجًا، فهى الحُرمة (بضم الميم) التى ينبغى أن تكون مطيعة ومستسلمة للرجل، وهى أيضًا المرأة المسئولة العاملة التى عليها أن تكون مُربية وزوجة وأما، وأن تحيا فى أسوأ الظروف، وفى النهاية مطلوب منها أن تمارس دور الغانية أو المرأة الفاتنة اللعوب، أما الرجل فهو أيضًا يُعانى من إنسانيته المُستلبة، ومن إحساسه الدائم بالانسحاق بفعل الظروف الاقتصادية - السياسية المتدنية، ولذلك فهو يتطلع دومًا لأن يُمارس السلطة على كائن مقهور، ضعيف، فلا يجد أمامه سوى زوجته، التى يتقمص أمامها دور «سى السيد» أو الرجل الفحل!

إنها دائرة لا تنتهى من صراع المقهورين، والتى تكون الضحية غالبًا فيها هى المرأة، لذلك فإن فائض العنف الذى يطفو أحيانًا فوق السطح فى صورة سلوك إجرامى هو تفجير لذلك المكبوت ولهذا الفائض الرهيب من القهر الذى تشكل بفعل الميراث الدينى - الثقافي، ونتيجة للمعاناة الاقتصادية الطاحنة.