رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نحو المستقبل

طالبنا فى المقال السابق بضرورة وضع استراتيجية مصرية لتطوير التعليم ، وبقدر ما أثار من تعليقات استحسان بقدر ماطالب البعض ببيان بعض المقترحات التفصيلية بهذا الشأن . وفى اعتقادى أن أول بنود هذه الاستراتيجية لابد أن ينص على أن لغة التعليم المصرى فى كل مراحله من دور الحضانة حتى الجامعة هى اللغة العربية .

فاللغة العربية هى لغتنا القومية وهى أحد أهم رموز هويتنا الحضارية الآن ، وان كنت لم ولن أنسى أن اللغة المصرية القديمة ( وهى ما اشتهر باللغة الهيروغليفية) لها أهميتها القصوى فى التأكيد على أهم عناصر أصالة وتميز حضارتنا، ومن ثم فإن كان مستحيلا الآن احياؤها وجعلها لغة التعليم فعلى الأقل ينبغى أن تكون احدى اللغات التى يتعلمها أبناء مصر عبر مراحل التعليم المختلفة حتى يدركوا مدى أصالة وعمق حضارتهم القديمة ويكونوا خير سفراء لبلدهم من خلال وعيهم بتاريخها ومعرفتهم بلغتها الأم وقدرتهم على قراءة الكتابات والنقوش الموجودة على آثارها القديمة ولايقفون عاجزين عن ذلك أمام الأطفال والشباب والسائحين الأجانب الذين يأتى بعضهم دارسا للحضارة المصرية القديمة ولغتها ويعجبون من عدم معرفتنا بها  !!

إن الاعتزاز بلغتنا القومية وكذا معرفة لغتنا الأم – اللغة المصرية القديمة -  هى البداية الحقيقية لبناء «جمهوريتنا الجديدة « لأنها بداية الوعى بتميزنا الحضارى وبقدرتنا على بناء المستقبل بروح الاستقلالية والتحدى ! ومن ثم ينبغى أن لايتعلم أبناء الوطن  كل العلوم وفى كل التخصصات، وفى كل أنواع المدارس حكومية وخاصة إلا بلغتهم العربية . ولامجال لتكرار الحجج الواهية بأن اللغة الانجليزية أو غيرها من اللغات الأوربية هى لغة العلم الآن وأننا سنزداد تخلفا عن ركب التقدم العلمى لو حرصنا على تعريب العلوم !!.. الخ . والحقيقة أننى أرى العكس ؛ فسبب تخلفنا هو أننا لم نواصل إصرار الأجداد الذين بدأت معهم نهضتنا الحديثة على تعريب العلوم والتدريس باللغة العربية رغم أن هؤلاء الرواد العظام فى كل التخصصات العلمية كانوا من  خريجى الجامعات العالمية الأجنبية لكنهم التزموا بعد العودة من بعثاتهم بتعريب ما درسوه فى الخارج وتدريسه باللغة العربية ولذا ازدهرت فى تلك الفترة العلوم وتوفرت إلى حد ما البيئة العلمية التى جعلت الطلاب يقبلون على التخصصات العلمية أكثر أو على الأقل بنسبة متساوية مع الاقبال على التخصصات الأدبية .

وبالطبع فإن تلك الدعوة إلى أن تكون لغة التعليم هى العربية لاتتعارض ولاتتناقض مع تعلم واجادة اللغات الأجنبية الأخرى  وخاصة اللغة الانجليزية وهى الأشهر الآن بالاضافة إلى لغة أجنبية أخرى حسب الحاجة وحسب رغبة الطالب . وبالطبع فإن المناهج المعربة ستكون موحدة، وينبغى أن تدرس فى كل المدارس أيا كان انتماؤها ونظامها التعليمى طالما أنها مدرسة على أرض مصرية ويتعلم فيها المصريون . وكم أتمنى أن يٌنظر بجدية فى أمر مايسمى بالمدارس الدولية؛ فلايصح أن يتعلم فى هذه المدارس إلا أبناء الجاليات الأجنبية المقيمين فى مصر . إن تعريب كل نظامنا التعليمى رغم ما يواجهه من تحديات وصعوبات يسهل بالقطع التغلب عليها لو خلصت النوايا وتخلصنا من عقدة « أن العلوم لا تدرس إلا بلغة أجنبية « . فكل بلاد العالم  حتى اسرائيل - التى أحيت لغتها العبرية التراثية بعدما كانت لغة ميتة -  تعلم أبناءها بلغتها المحلية ومع ذلك لاتقل فى تقدمها عن الدول الناطقة بالانجليزية. إن التقدم العلمى الحقيقى لايعوقه اللغة التى نتعلم بها وانما يعوقه الانصراف أصلا عن التعليم  أوعدم القدرة على الابداع والكشوف العلمية. والكشوف العلمية أيا كان العالِم الذى حققها وأيا كانت اللغة التى كتب بها بحثه العلمى سرعان ما تترجم إلى كل لغات الدنيا وتسجل باسم صاحبها فى تاريخ العلم . ولاشك أن احترام العالم لنا سيزداد بقدر احترامنا للغتنا وكتابتنا لأبحاثنا العلمية بها ؛ فحينئذ سننتقل بالفعل وليس باللهاث وراء الآخرين إلى عصر ريادة جديد تعود فيه لغتنا العربية لغة عالمية فى البحث العلمى ككل لغات العالم الأخرى بل ربما فى مرحلة لاحقة قد تعود لغة العلم الأولى كما كانت فى عصر سيادة الحضارة العربية الاسلامية .