رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

 

حاولنا فى المقالين السابقين أن نتتبع مراحل عملية تزييف أو تشويه الوعى العربى المعاصر، وقد يكون مناسبًا أن نُنهى هذه الإشكالية بالإجابة عن هذا السؤال: كيف يمكن تغيير الوعى؟

إن أصعب المهام من وجهة نظرى هى مهمة تغيير الوعى أو تغيير الإنسان؛ لأن الواقع تستطيع أن تغيره بالانقلابات العسكرية والتحولات الراديكالية العنيفة، ولكن تغيير الإنسان، وتغيير وعيه، يتطلب أمورًا كثيرة، ويقتضى جهدًا كبيرًا، ووقتًا طويلًا قد يمتد لعشرات السنوات.

إن بعض الأنظمة السلطوية المستبدة قد ترحب بإنسان الجموع أو إنسان القطيع الذى يمكن أن يُساق مثلما تُساق البهائم، ويمكن أن يكون أداة طيعة تستخدمها السلطة متى شاءت لتأديب الخارجين عن طاعتها أو المتمردين على سلطتها.

وفى هذا السياق، يذكر «آدم متز» فى المجلد الثانى من موسوعته عن الحضارة الإسلامية أن سلطة العوام من الحنابلة قد اتسعت عام 323هــ، فمارسوا نوعًا من الرقابة الأخلاقية على الحياة اليومية، فإن وجدوا نبيذًا أراقوه، وإن وجدوا مغنية ضربوها وكسروا آلتها الغنائية، وصاروا يعارضون سير النساء مع الرجال ويفتشون فى الضمائر والنفوس.

إن هذه الجموع يمكن أن تمارس قمعًا موازيًا لقمع السلطة المستبدة ويمكن أن تكون أداتها فى البطش، لكن لا يجب أن ينسى الحكماء من الحكام أن هذه القوة الغاشمة يمكن أن تتحول فى لحظة إلى قوة مدمرة تكتسح فى طريقها كل شيء، ويمكن أن تقتلع الأنظمة من جذورها مهما كانت مستقرة أو راسخة.

إن استدعاء الربيع العربى فى الذاكرة التاريخية مهم جدًا. والقذافى المقتول كان يقول فى مذكراته شيئًا يُنبئ عما حدث له ولغيره، فكان يعترف بأنه لا قوة تستطيع أن تقف أمام تلك الجماهير الهادرة. إن هذه الجماهير هى التى خلعت زين العابدين بن على وحسنى مبارك، وقتلت على عبدالله صالح والقذافى، وأعانت أمريكا على إعدام صدام. لا يجب أن ينسى أبدًا الحكماء من الحكام هذا الدرس، وليعلموا أن هذه الجموع هى مصدر قوة جماعات الإسلام السياسى بكافة فصائله، وكلما تزايدت أعداد الفقراء والمهمشين والمعدمين والمغيبين كلما ازدادت فى المقابل قوة وجبروت الجماعات الإرهابية.

إن التزايد المتسارع لجيوش العاطلين من الشباب، يُعمق الشعور باليأس وعدم الانتماء ويُلقى ببعضهم فى أحضان الجماعات الإرهابية بحثًا عن بطولة زائفة أو خلاص وهمى. ويدفع بالبعض الآخر إلى تعاطى المخدرات بحثًا عن الغياب وعن الهروب من واقع لا يُطاق.

من جانب آخر فإن وجود جماعات الإسلام السياسى، وحضورها الطاغى فى الشارع العربى وتغلغلها فى الحياة اليومية للإنسان العربى، وهيمنتها على المناطق الفقيرة والعشوائية والريفية هو النتيجة الطبيعية لتصحر الحياة السياسية، والفقر الثقافى، والتدين بلا ثقافة يؤدى كما يُشير إلى ذلك المفكر الفرنسى «أوليفييه روا» إلى نوع من الاكتفاء الذاتى، وعدم الاحتياج للمعرفة، ومن ثم يؤدى إلى نوع من الجهل العنيد يُسميه روا بـ«الجهل المقدس».

وإذا كان المجتمع المتخلف– كما يوضح «مصطفى حجازي» فى كتابه عن «الإنسان المهدور»– هو مجتمع ذو نسيج قبلى يقوم على العصبيات، فإن المجتمع الحديث هو مجتمع دولة المؤسسات، لذلك لا مفر من استعادة وظيفة المؤسسات الثقافية خاصة مؤسسات التعليم والثقافة لتؤدى دورها التعليمى والتنويرى لكافة الطبقات. إن تسليع التعليم والثقافة والفنون أدى إلى تدنى المستوى التعليمى والثقافى للإنسان العربى، وإلى التخلف عن ركب العلم وانحطاط الفنون وتفشى فنون البلطجة والمخدرات والدعارة المتمثلة بصورة صارخة وفاضحة فى أغانى المهرجانات التى أسقطت الأغنية العربية من عرشها القديم لتحولها إلى قطعة مخدرات أو أقراص هلوسة!

إن استعادة الكيان والهوية للإنسان العربى هى مهمة الدولة بالأساس، ودورنا كمثقفين فى هذه المرحلة ينحصر فقط فى التذكير ودق جرس الإنذار لتنبيه وتحذير رجال السلطة من مغبة هذا الانهيار الشامل فى كل شيء. إن سلطة الثقافة فى عالمنا العربى الآن لا تُمثل أى قيمة بالنسبة لمعظم من يمارسون السلطة، لذلك فإن مهمة المثقف هى إيقاظ الوعى، وعى النخبة التى تحكم، وتوعية الجماهير التى لم تتشيَّأ وتفقد حسها الإنسانى بعد.