رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

طلة

أعترف أننى واحد من عشاقها رغم أنى لست من سكانها. أحببتها منذ طفولتى فى الصعيد عندما كنت مثل ملايين من ابناء جيلى يقرأون فى طفولتهم سلسلة مغامرات وألغاز رائعة كان يكتبها المؤلف البارع محمود سالم تحت عنوان «المغامرون الخمسة».  كانت أحداث تلك الألغاز تدور فى ضاحية المعادى الهادئة كما كان يصفها المؤلف. وكانت أسماء «المغامرون الخمسة» على ما أتذكر تختخ ومحب ونوسة ولوزة ونسيت الخامس مع الأسف، مع المفتش سامى، رجل البوليس الذى كان يؤمن بقدرات «المغامرون الخمسة» ويعتمد عليهم فى مساعدته على كشف اللغز.

كان المؤلف يتفنن فى حبكته للقصة البوليسية وذكاء «المغامرون الخمسة» فى كشف غموضها مع المفتش سامى، وكانت روعته فى وصف ضاحية المعادى الهادئة آنذاك لا تقل عن روعته فى القصة البوليسية. حتى إن السكن فى المعادى كان حلما لكل من كان يقرأ هذه الألغاز، فقد كان هؤلاء الخمسة يجوبون المعادى على دراجاتهم بين المروج الخضراء التى تظلل الشوارع فى تلك المنطقة، كان الخيال يسرح وقتها فى المعادى فأحببتها قبل أن أراها. انبهرت بفكرة أن تكون على أرض القاهرة بها كل تلك الأشجار وكل هذه المساحات الخضراء فحلمت بأن أكون يوما من سكانها.

مع انتقالى للقاهرة منتصف الثمانينيات كانت المعادى من أولى المناطق التى خططت للسكن بها. لكن طبعا فوجئت باستحالة ذلك. فما لم يذكره محمود سالم مؤلف ألغاز «المغامرون الخمسة» أن السكن فى المعادى التى كان يذكرها فى ألغازه صعب على من يريد أن يبدأ حياته العملية فى القاهرة، فهى منطقة خمس نجوم تتطلب أموالاً طائلة لا قبل لى بها، لكن تلك الاستحالة فى السكن فيها لم تنتقص من استمرار حبى لها. حتى مع التغييرات الكثيرة التى لم تعد المعادى معها هى نفس معادى الثمانينات وما قبلها ظلت المعادى تحتفظ بنسبة من الأشجار لا بأس بها. ورغم إنشاء المعادى الجديدة التى أثرت كثيرًا على رونق وبريق المعادى الأصلية، وإن بقى ذلك البريق والرونق كشاهد عيان على ما كانت المعادى تتمتع به من جمال وحلاوة.

لكن، وآه من لكن، يتعرض ما بقى من المعادى الآن لمحاولة تدمير كاملة من خلال قرار إنشاء ما يسمى محور الجزائر فى المعادى والذى يؤكد سكانها أنه سيكون على حساب ما تبقى من مساحات خضراء يعتبرونها من الآثار النادرة التى مر على زراعتها مئات السنوات. ورغم اعلان السلطات المحلية أن المحور الجديد لن ينتج عنه أى إزالات لمناطق خضراء أو أشجار عتيقة، إلا أن خبراتنا السابقة فى مثل هذه التصريحات أن نفى المسئول الشيء هو تأكيد لصحة ذلك الشيء، فإذا صرح مسئول مثلا بأنه لا زيادة فى الأسعار فاعلم ان هناك زيادة قادمة لا محالة. لذا تجد سكان المعادى يضجون بالشكوى والتحذير مما سوف يحدثه ذلك المحور بمنطقتهم التى تعد من المناطق القليلة التى تتمتع برئة خضراء كنا نتمنى ان يكون لدينا مثيل لها فى كل ربوع المحروسة لا ان نتخلص مما هو موجود منها ليحل محلها كتل من الأسمنت الصماء الخرساء التى تمرق عليها السيارات ليل نهار دون رحمة.

أضم صوتى لكل سكان المعادى، حبيبتى التى عشت معها إحدى قصص الحب الجميلة، كما أضم صوتى لكل من يحاولون توضيح ان النهضة المعمارية التى تشهدها البلاد يجب أبدًا ألا تكون على حساب المناطق الخضراء التى هى أصلا نادرة. فلن تقوم نهضة تنتزع من الناس مساحاتهم الخضراء لتحولها إلى طرق وكبارى ممكن جدا البحث لها عن محاور اخرى بعيدا عن الخضرة ولا أظن أننا نعانى من وجود مناطق جرداء تصلح لإقامة محاور جديدة عليها. فلنضع فى اعتبارنا ونحن نخطط لتلك النهضة العمرانية انه لا نهضة لا تؤمن بأن البشر أهم من الحجر ولعلنا نتدارك الأمر ونبدأ بضاحية المعادى الهادئة التى كانت الحب الأول لى ولكل أبناء جيلى.

Hisham. moubarak. [email protected] com