رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

 

 

الإنسان هو مشيد الحضارة وصانع التاريخ، وهو الكلمة الأولى والأخيرة فى أى تغيير أو تقدم أو تطور. من هنا لا يمكن أن نتحدث عن تغيير الواقع أو تغيير البنية السياسية والاقتصادية بدون تغيير الإنسان. والإنسان أى إنسان هو عبارة عن عقل ووجدان وجسد ولا انفصال بين هذه الأبعاد الثلاثة: العقل، الوجدان، الجسد، ومع ذلك فإن العقل هو أهم ما يميز الإنسان عن بقية الكائنات. والعقل يعنى الوعي: وعى الإنسان بذاته، بعالمه، بالطبيعة، بالآخرين، بالإنسانية، بالتاريخ، بالكون، بالإله وما يرتبط به من المفردات الميتافيزيقية والقدسية.

ولن أجاوز الحقيقة لو قلت ببساطة شديدة إن الإنسان وعى، والوعى هنا ليس وعياً إدراكياً أو معرفياً فحسب، ولكن الوعى هو مجموعة من الدوائر المتداخلة والمتشابكة التى تبدأ من الوعى الحسى لتصل إلى الوعى بقضايا وأسئلة الوجود الكبرى: أسئلة المعنى والمصير: من نحن؟ ولمَ نحيا؟ وإلى أين نحن ذاهبون؟ هذه الأسئلة ليست مجرد ترف فكرى، ولكنها تُمثل جوهر الوجود الإنسانى. إن الوعى دائماً ما يرتبط بموضوع ما مثلما يؤكد الفيلسوف الألمانى «هوسرل»: الوعى مسكون دائماً بموضوعات: سياسية أو ثقافية أو فنية أو دينية أو فلسفية أو علمية أو بيولوجية. وربما يرتبط وعى كثير من الناس بموضوعات تافهة مثل: الهوس الكروى، وملاحقة آخر تقاليع وصيحات الموضة، أو تتبع أخبار النجوم والنجمات، والفضول المتطفل للانشغال بشئون الآخرين والانغماس فى أخبارهم وأسرارهم.

ويطلق مارتن هيدجر على هذه الظواهر كلمة تعبر عن الانحطاط الأخلاقى يسميها «السقوط فى الحشد»، ويعنى بذلك الاستسلام لثقافة الغوغاء أو الدهماء أو كما يُسميهم «نيتشه» القطيع. وثقافة القطيع هى ثقافة تهميش العقل أو غيابة. ثقافة حيونة الإنسان واغترابه عن إنسانيته وعن وعيه، ليتحول إلى مُجرد مسخ يشبه مسخ «فرانز كافكا»!

تُرى أين يقف الإنسان العربى الآن؟ وكيف يتشكل وعيه بعد هذه الأحداث الجسام التى مر بها عالمنا العربى خاصة بعد انتفاضات الربيع العربي؟ ما صورة العالم فى وعى الإنسان العربي؟ ما الذى يُشكل هذا الوعي؟ كيف يفكر الإنسان العربى فى ماضيه وحاضره ومستقبله؟ كيف ينظر إلى نفسه والآخر؟ ما هى القضية التى يحيا من أجلها هذا الإنسان؟ وما هو موقع الإنسان العربى بين رفاقه من البشر الآخرين؟.

إن هذه الأسئلة وغيرها لا يمكن بالتأكيد أن تُعالج فى مقال صحفى صغير وتحتاج إلى العديد من المختصين فى مجالات الاجتماع وعلم النفس والاقتصاد والسياسة والإعلام.. وغيرها من المجالات المختصة بدراسة الإنسان. إن التحليل الجدلى الماركسى مفيد جداً فى لملمة أطراف هذه الأسئلة الشائكة المحيرة. ماذا يقول التحليل الماركسى عن علاقة الوعى بالواقع؟

التحليل الماركسى يذهب إلى أن الواقع المادى هو الذى يُشكل الوعى، والمقصود بالواقع المادى وفقاً للرؤية الماركسية الضيقة هو الاقتصاد، وهذا ما أعترض عليه، وأرى أن الواقع المادى ليس مقتصراً فقط على العامل الاقتصادى. الواقع المادى أو الأساس المادى يشمل فى اعتقادي: الطبيعة، المناخ، الواقع التاريخى، الاقتصاد السياسى. وهذه العوامل ليست وحدها هى المؤثرة فى تشكيل الوعى، ولكن أيضاً العوامل الثقافية (خاصة الدين) تلعب دوراً حيوياً فى تشكيل الوعى.

وفى ثقافتنا العربية يمثل الدين الرافد الأساسى فى تشكيل الوعى، لعدة أسباب أهمها انهيار المشروع القومى العربى بعد هزيمة 1967، ثم فشل مشروعات التحديث والتنوير نتيجة أن عمليات التحديث والعصرنة اكتفت بتحديث بنية الواقع، ولكنها لم تناضل من أجل تحديث بنية الوعى لدى الإنسان العربى، ولذلك نجد فجوة بين مظاهر التحديث المنتشر فى الفضاء العربى وفى الحياة اليومية، وبين المستوى المتدنى للوعى الذى لم يزل يعانى من كل أمراض المجتمع القبلى ومظاهره البطريركية والذكورية والجمودية التعصبية.

ورغم كل مراحل المخاض السياسى التى مرت على العالم العربى بدءاً من المحاولات النضالية للتحرر من التبعية للاستعمار فى الستينيات من القرن الماضى، وحتى تلك الأحداث العاصفة التى سُميت بالربيع العربى فإن بنية الوعى لم تتزحزح من موقعها القديم.

وهنا يُثار السؤال: لماذا لم يستطع كل هذا الحراك السياسى الذى زعزع أركان معظم الدول العربية أن يزيد من مساحة الحرية، وأن يغير وعى النخبة، وأن يخلق خطاباً سياسياً جديداً قوامه الديمقراطية والتعددية السياسية؟ الإجابة ستجدونها فى مقالنا القادم.