رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

طلة

كنت أحب والدى رحمه الله حبا شديدا, وكذلك كل الناس تحب آباءها نفس الحب لا يختلف فينا أحد عن الآخر,يخيل لكل منا أنه لا يوجد مثيل لأبيه فى العالم وأنه افضل اب فى الدنيا كلها, ولكن قليل منا من اثبت ذلك الحب بالفعل وليس فقط بالقول. كلنا نتكلم عن ذلك الحب وعن ذلك الأب العظيم الذى ضحى بكل شيء من اجل أولاده دون أن يمن عليهم او يصدر منه ما قد يظهر ضيقه من ذلك العطاء الذى زرعه الله فى قلوب الآباء تجاه اولادهم. كلنا نتكلم عن هذا الأب الذى لم يتمن أن يرى أحدًا أفضل منه سوى أولاده.عن ذلك الرجل الذى كرس كل حياته ليسعدنا دون أن ينتظر مقابل ولا حتى كلمة شكر.

لكن قليلا جدا من قابل ذلك العطاء بعطاء مماثل حتى لو كان أقل, صعب جدا أن يعطى أى منا لأبيه ولو حتى معشار ما قدمه أبوه له. وربما لا نشعر بذلك إلا عندما نجرب نحن الأبوة ونتحول من دور الأبناء إلى دور الآباء. وقتها فقط تدرك حقيقة ما منحه لك ذلك الرجل مقابل لا شيء منك حتى وإن كنت تظن أنك قدمت لأبيك كل شيء. أى عطاء منك ولو كنت بارا رحيما بذلك الرجل فى شيخوخته لن يساوى شيئا لو وزنته بنفس ميزان عطاء ابيك لك. هذه هى الحقيقة التى لا يدركها كثير من الناس مع الاسف – وأنا أولهم - إلا متأخرا وبعد فوات الاوان. حيث يكون ذلك الرجل رحل عن دنيانا دون ان يجد ولو حتى ربع العطاء الذى كان يتمناه من فلذات أكباده الذين اقتطع اللقمة من فمه فعلا وليس مجازا ليطعهما لهم. يرحلون قبل ان نقدم لهم ما كان يجب ان نقدمه لهم ويتركونا نندم بعد فوات الأوان, ليتحسر كل منا على ما ضيع من فرص عظيمة ويظل يبكى على اللبن المسكوب نائحا مثل الثكالى وهو يقول: ليت أبى كان على قيد الحياة لكنت فعلت كذا وكذا. وربما اغلبنا هى مجرد كلمة هو قائلها ليرضى ضميره ليس اكثر وربما لو عاد له ابوه من جديد لقابله بنفس العقوق والجحود الذى لقيهما الرجل طيلة حياته.

أتخيل نفسى دائما كلما اقترب عيد الأضحى المبارك مكان سيدنا اسماعيل عليه السلام,وكيف سيكون رد فعلى لو قال لى أبى بكل حنان: يابنى إنى أرى فى المنام أنى اذبحك فانظر ماذا تري؟ لا اعتقد اننى كنت حتى ساترك الرجل يكمل عبارته حتى نهايتها وربما كنت ساذهب من توى لأقرب محكمة طالبا الحجر على ذلك الرجل الذى فقد عقله ويريد أن يذبحنى,حتى لو كنت من ثوان قليلة قبلها اتباهى بين اقرانى بان أبى لا مثيل له بين الآباء,فإذا بى ارسب عند أول اختبار مشككا فى قواه العقلية التى صورت له انه رأى رؤيا فى المنام أنه يذبحنى ويطلب رأيى ماذا يفعل؟ كم اشعر بالخجل من ذلك التفكير عندما أقرأ رد اسماعيل على أبيه: يا أبت افعل ما تؤمر ستجدنى إن شاء الله من الصابرين. لم يكن سيدنا ابراهيم وهو يسأل ابنه يتوقع غير ذلك الرد ولم يكن الموضوع مجرد اختبار لطاعة ابنه له,ولم يكن إسماعيل بدوره يعتقد أن كلام أبيه كده وكده وانه مجرد كلام يريد به أن يختبره. لا كان الموضوع جد جدا,وعندما ذهب سيدنا ابراهيم بابنه للمكان الذى سيذبحه فيه لم يكن وقتها يمثل ولا كان اسماعيل يعرف انه سينجو من الذبح. حتى عندما حانت لحظة التنفيذ تتجلى التربية الحقيقية فى الطاعة والاستسلام من سيدنا اسماعيل عندما يطلب من أبيه أن يضجعه على وجهه حتى لا ينظر إليه لحظة الذبح فيشفق عليه ولا ينفذ أمر الله. أى تربية تلك التى ربتها السيدة هاجر لابنها تجاه أبيه وهو الذى تركهما وهو صغير بواد غير ذى زرع؟

ليس صحيحًا أن الله أنزل الكبش ليفتدى به سيدنا اسماعيل قبل الذبح حتى يوفر على الاثنين صعوبة الموقف بل ان سيدنا ابراهيم أجرى السكين بالفعل على رقبة ابنه امتثالا لأمر الله لكن الله الذى بيده كل شيء أوقف خاصية الذبح عن تلك السكين فلم تذبح. قدم الاثنان التضحية ولا فجاءت الأضحية مكافأة لهما,بينما كثير منا هذه الأيام إلا من رحم ربى يريد الأضحية على الجاهز دون أى تضحية. وتلك هى المشكلة.

[email protected]