رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

 

 

أشرنا فى مقالنا السابق إلى أن معظم الناس يعيشون وهم الحرية، ويتصورون أنهم أحرار، فى حين أن واقع الأمر يؤكد أنهم واقعون تحت نير العبودية، فأفكارهم، ومبادئهم، ومعتقداتهم، وقيمهم، ومشاريعهم لم تكن أبدًا من اختيارهم، وإنما توارثوها ونقلوها عبر أسلافهم، ومن خلال آبائهم وأجدادهم ومجتمعاتهم، وليس هذا فحسب، بل إن معظم الناس تنفر من ممارسة الحرية وتميل إلى التنازل عنها للدولة أو لأولى الأمر، أو للكاهن، أو لأى سلطة يُعتقد أنها تملك حكمة الاختيار. ويظل السؤال حائرًا لماذا يهرب الناس من الحرية؟

هناك إجابات متعددة ومتنوعة عن هذا السؤال، وإحدى هذه الإجابات يقدمها لنا المفكر الألمانى - الأمريكى «إريك فروم». وإريك فروم قد انشغل بهذه القضية فى معظم مؤلفاته، خاصة كتابه «الهروب من الحرية» والذى كتبه عام 1941 بدافع فهم الأسباب التى أدت إلى صعود النازية ونجاحها فى استقطاب أكبر عدد من الشعب الألماني.

ويفسر فروم خضوع وولاء الجموع الألمانية للطاغية هتلر بأسباب اقتصادية وسياسية وسيكولوجية متعددة، ولكنه يضيف بُعدًا مهمًاّ هو رغبة الإنسان فى التحرر من المسئولية نتيجة تحرره السلبى من القيود والسلطات الخارجية ومن السلطات التقليدية: سلطة الإقطاع، سلطة رجال الدين، سلطة الدولة.. إلخ دون أن يحقق تحرره الداخلي، خاصة تحرره العقلى والذهني.

والمقصود بالحرية السلبية عند فروم هو حرية «التحرر من»، إنها أقرب إلى حرية المراهقين الذين تستهويهم لعبة كسر القيود وتحطيم التقاليد، ولكنهم لا يعرفون ماذا هم فاعلون بحريتهم. وكمثال على ذلك ما حدث بعد ثورات الربيع العربى وسقوط الأنظمة القديمة دون وجود قوى سياسية منظمة وفاعلة فى الشارع، ما أتاح الفرصة لجماعة الإخوان المسلمين للصعود إلى السلطة فى تونس ومصر وليبيا، إن الحرية السلبية تترك الإنسان وحيدًا يواجه مصيره المجهول دون سند حقيقى يمنحه القدرة على الدفاع عن حريته، ومن ثم فإن هذه الحرية السلبية معرضة فى كل لحظة لأن تصبح حرية مزيفة؛ لأن الإنسان يعتقد أنه صاحب قراره وصانع أفعاله، فى حين أنه يفكر ويشعر ويقرر وفق ما يريده المجتمع، وما تريده السلطات المجهولة: سلطة الرأى العام والحس المشترك، وسلطة السائد والمألوف، والسلطات كافة التى تمارس دورها بنعومة تصل إلى حد الخضوع المطلق لهذه السلطات.

أما الحرية الإيجابية فهى تقوم على التحرر الكامل أى تحرر الإنسان من السلطات الخارجية والداخلية معًا، إنها حرية كيفية لا تعنى بكم الحرية التى أحرزها الإنسان بقدر ما تعنى بكيف استطاع الإنسان أن يحقق ذاته وأن يكون نفسه. من هنا فإن الحرية الإيجابية هى الحرية الحقيقية؛ لأنها تقترن بخلق الذات الأصيلة، وبالقدرة على الارتباط المبدع بالآخر سواء كان هذا الآخر هو البشر أو الأشياء أو الطبيعة أو الله، وهذا الارتباط المبدع هو الأسلوب الوحيد الذى من خلاله يمكن للمرء أن يتحد مع العالم والآخرين دون أن يفقد استقلاله أو يضحى بذاته.

ولا معنى للحرية إلا من خلال وجود الأنا والآخر، فعلاقتى بالآخر هى التى تحدد وجودي، وتحدد أيضا حريتي، وقد كان سارتر أنانيًاّ إلى حد النرجسية عندما أعلن فى مسرحيته «جلسة سرية» أن: «الآخر هو الجحيم»، فليس من الضرورى أن تكون علاقتى بالآخر هى علاقة صراع وتناحر؛ إذ يمكن أن تكون علاقتى بهذا الاخر علاقة حب واحترام وتضامن إنساني. وكثيرًا ما يقع الإنسان فى وهم أنه لن يكون حرًا إلا إذا استطاع أن يحطم الآخرين «الأغيار»، فمعظم الطغاة والإرهابيين والمتطرفين دينيًاّ يقعون فى هذا الوهم، وهم أنهم وحدهم الأحرار؛ لأنهم وحدهم المتحدثون باسم الحقيقة أو المقدس؛ وبالتالى فإن برهانهم الوحيد على أنهم أحرار هو قدرتهم على قتل أو تدمير الآخر.

إن الحرية تصبح عبئًا بغير القيمة، قيمة احترام كل ما هو إنسانى أو ينتمى للإنسان، وبدون هذا الإيمان تفتقد الحرية معناها ومغزاها، وتصبح مجرد فعل نزوائى بلا هدف؛ ولذلك فإن الحرية ترتبط بالمسئولية، وهى ليست مسئولية فردية فحسب، لكنها مسئولية تجاه البشر الآخرين، وتجاه تأكيد حقهم فى ممارسة الحرية، وحقهم فى أن يكونوا بشرًا يتمتعون بكل ما أتمتع به أنا من استقلال وتمايز وحرية.

وللحديث بقية.