رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نحو المستقبل

من المعروف أن مناهج التأريخ لأى علم تتبلور وتتأثر برؤى المتخصصين فيه وان كان الأغلب الأعم من هذه الرؤى تتبع المنهج التاريخى بمعنى أنهم يتخذون من التسلسل التاريخى للاشخاص أو للأفكار أساسا للتأريخ فيسردون حياة هذا العالم أو هذا الفيلسوف تبعا للفترة التاريخية التى عاش فيها وتبعا لتطوره الفكرى من عام مولده إلى عام وفاته. وكم كانت المفاجأة سارة حينما وجدت أن ثمة طريقة جديدة للتأريخ اتبعها آلان د. شريفت وهو أستاذ كبير للفلسفة فى الجامعات الأمريكية فى تأريخه للفلسفة الفرنسية فى القرن العشرين ؛ حيث عايش "شريفت" الفلسفة الفرنسية جيدا وأدرك بحسه الفلسفى الواعى أن التأريخ لها وخاصة فى القرن العشرين لايجب أن يؤخذ بهذا المنحى التقليدى الجامد للتأريخ، ومن ثم فقد استخدم منهجا استحدثه لهذا التأريخ فصل فيه بين رؤيته لنشأة وتطور الفلسفة الفرنسية فى القرن العشرين فى الجزء الأول من الكتاب وبين تأريخه للسير الذاتية لأعلام هذه الفلسفة كشخصيات وأحداث وكتابات فى الجزء الثانى منه. وقبل هذا وذاك وضع لنفسه وللقارئ ثبتا تاريخيا ضمنه قائمة بالتسلسل التاريخى للوقائع المهمة وذات الدلالة الفلسفية والأكاديمية، بالإضافة إلى وقائع وأحداث تاريخية أخرى ذات أهمية بالنسبة للفهم العام لتاريخ وتطور الفلسفة الفرنسية فى ذات القرن.

ولكى يتعرف القارئ على ما لفت انتباهى فى هذا الأسلوب التأريخى الجديد فلنقرأ معا قول المؤلف مثلا: عاصر العقدان الثالث والرابع تحول طلاب الفلسفة من الشباب عن الفلاسفة الذين تبدأ أسماؤهم بحرف الباء وهم برجسون وبلوندل وبرونشفيج إلى اكتشاف الفلسفة الألمانية التى قدموا ثلاثة فلاسفة ألمان تبدأ أسماؤهم بحرف الهاء وهم هيجل وهوسرل وهيدجر. ويمكننا وصف هذا التحول بانه تحول من فرنسا إلى ألمانيا كما أنه تحول من النزعة الروحية إلى المنهج الفينومينولوجى كما أنه تحول من المثالية إلى الوجودية وهو تحول من تأثير توما الأكوينى إلى تأثير كارل ماركس، بالإضافة إلى أن الأحداث التى وقعت فى التاريخ الأوروبى لعبت دورا فى هذا السياق، كما أن انتقال الفلسفة الألمانية إلى فرنسا كان ميسرا بفضل هجرة العديد من فلاسفة أوروبا الشرقية إلى فرنسا فقد هاجر الفيلسوف الروسى الكسندر كوجيف الى باريس عام 1919م وكان أول من نقل فينومينولوجيا هوسرل اليها عام 1927 م كما أن محاضراته عن فلسفة هيجل.. وذلك من عام 1939 حتى عام 1939م لعبت دورا أساسيا ومحوريا فى إحياء هيجل «الفرنسى «... إلخ.

 على هذا النحو الممتع فى السرد التاريخى للحياة الفلسفية فى باريس فى القرن العشرين سواء فى تطورها داخل المعاهد والجامعات الفرنسية وداخل نظامها الأكاديمى الخاص الذى تمثل فى مؤسسات تعليمية معروفة وذائعة الصيت مثل السربون ودار المعلمين العليا أو الكوليج دو فرانس أو المدرسة التطبيقية للدراسات العليا حيث إن لكل منها أساليبه التعليمية المختلفة الذى ساهم فى التكوين الفلسفى الخاص للفلاسفة الفرنسيين وكان سببا فى انتشارأفكارهم ورؤاهم الفلسفية، أو فى تلك المناقشات الفلسفية الخصبة التى كانت تجرى بين الفلاسفة غير الأكاديميين فى المجلات الفلسفية والمنتديات النقاشية التى كانت من خصائص وسمات تطور الفلسفة الفرنسية وانتشار مذاهب فلاسفتها. لقد كان لهذا المنهج السردى الشامل الذى يمزج ماهو فلسفى خالص بما هو اجتماعى وتعليمى وسياسى، فضل كبير فى أن يجعل من قصة الفلسفة الفرنسية فى القرن العشرين قصة مشوقة نتعرف فيها على الجذور السياسية والأكاديمية والاجتماعية لنظريات ومذاهب الفلاسفة الفرنسيين والتحولات التى طرأت على أفكارهم عبر المراحل المختلفة التى امتزجت فيها هذه التطورات أحيانا بأفكار الفلاسفة الألمان وفى أحيان أخرى بأفكار الفلاسفة فى العالم الأنجلوسكسونى..

لقد نجح آلان شريفت فى الكشف عن كوامن الفلسفة الفرنسية وأوضح ما كان مجهولاً من عوامل تطورها بأسلوب تأريخى جديد أقل مايقال فيه أنه أسلوب شيق وممتع لايمل منه القارئ العام ناهيك عن القارئ المتخصص. فتحية لهذا الكتاب ومؤلفه والتحية قبلهما للدكتور محمد محمد مدين الذى أمتعنا بنقل هذا الكتاب إلى اللغة العربية معربا وليس مترجما ! والمعنى واضح حيث إن القارئ لهذا الكتاب بترجمته العربية الرائقة لايحس أنه يقرأ كتابا مترجما بل يشعر بأنه يقرأ مؤلفا عربيا حقا ! وربما يكون ذلك هو ما تسبب فى النقص الذى أرى لزاما علىّ أن أشير إليه وهو غياب مايطلق عليه «خدمة الترجمة» حيث بخل علينا د. مدين بكتابة مقدمة لهذا الكتاب يحدثنا فيها ولو بشكل مقتضب كعادته عن الكتاب ومؤلفه، ويشرح لنا فيها أسباب اختياره لترجمة هذا الكتاب عن الفلسفة الفرنسية وهو المتخصص الكبير فى الفلسفتين الأمريكية والانجليزية المعاصرة وخاصة فى الحركة التحليلية فيهما. على كل حال لقد كشفت هذه الترجمة لهذا الكتاب عن شغف المؤلف والمترجم معا بالفلسفة الفرنسية التى كان لها فضل نقلنا من جفاف الحداثة إلى رحابة وشمولية مابعد الحداثة ‘ من جفاف العقلانية والعلم والتفسيرات الميكانيكية الآلية إلى رحابة النزعة المثالية الروحية.

 

[email protected]