رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

عطر الأحباب

 

 

متعددة الوجوه بلا نشاز، مقنعة فى كل ما تؤديه من أدوار متناقضة. العانس الفقيرة بلا جمال فى «بداية ونهاية»، هى الريفية الثرية القوية المتسلطة المتغطرسة فى «الزوجة الثانية»، وهى أيضا المثقفة المتفلسفة فى «المستحيل». لا مشترك بين هذه الشخصيات المتنافرة المتعارضة إلا عبقرية سناء جميل ووعيها الخارق بأبعاد الأدوار التى تجسدها بعد معايشة واندماج محسوب. مثل هذا الإخلاص فى استيعاب الجوانب المعقدة المتشابكة لا يتكرر كثيرا فى تاريخ فن التمثيل المصرى، حيث تسود النمطية ويتكرر الأسلوب ويقتصر الأمر على ترديد كلمات الحوار فى افتعال مصنوع، دون مشاركة حقيقية من الوجه والصوت ولغة الجسد، فضلا عن الأعماق البعيدة التى لا تُرى ولا تلتقطها الكاميرا، لكنها لا تغيب عن إحساس المشاهد.

 لا تنفرد سناء جميل»1930-2002» بالبطولة المطلقة فى أى من الأفلام التى تشارك فيها، لكنها بارعة فى السيطرة والاستحواذ على القلوب والعيون، متفوقة بأميال على من يحيطون بها من نجوم الرواج الجماهيرى. قد يُقال إنها ليست جميلة، لكن من يرددون هذه المقولة المغلوطة يجهلون يقينا جوهر ومعنى الجمال، ذلك أن المعيار الذى يحتكمون إليه لا يتجاوز ملامح الوجه ونعومة الشعر وإثارة الجسد. مفهوم سطحى ساذج لا يعنى شيئا، ويتجاهل أن العظيمة سناء ذات أنوثة طاغية وإحساس عارم متوهج بمشاعر المرأة الكامنة كما ينبغى أن تكون. إنها ممثلة عبقرية فى المقام الأول، فما الذى يعنيه أن تكون جميلة على طراز مريم فخر الدين مثلا، ولا صلة تجمعها بفن التمثيل؟.

بفضل الدراما التليفزيونية تصل سناء إلى ذروة الشعبية وتستوطن قلوب الملايين، أولئك الذين يجدون فى الشخصيات التى تقدمها نماذج صادقة يصادفونها فى الحياة اليومية. قرب نهاية الثمانينيات من القرن العشرين، وهى على مشارف الستين، تقدم دورا خالدا فى رائعة أسامة أنور عكاشة ومحمد فاضل :»الراية البيضا». المعلمة فضة المعداوى، التى يتحول اسمها إلى جزء من نسيج اللغة اليومية المتداولة، عنوان مرحلة رديئة تقترن بتدمير ثوابت وركائز الهوية المصرية. لا يستطيع من يتابع المليونيرة تاجرة السمك، الجاهلة السوقية، إلا أن يجزم بأن سناء جميل قد عاشت عمرها كله تتاجر فى السمك والابتذال، لكن المشاهد نفسه، فى منتصف التسعينيات، يراها أرستقراطية عصبية متأنقة، تسعفها اللغة الفرنسية أكثر من العربية، فى المسلسل الاجتماعى المرح :»ساكن قصادي». من الذى يزعم أن السيدة سناء لا يمكن إلا أن تكون ربيبة قصر، وابنة طبقة أرستقراطية ثرية ينحدر بها الحال فتقبع فى أحضان الطبقة الوسطى؟.

سناء جميل ظاهرة استثنائية فريدة فى تاريخ فن التمثيل المصرى، لكن السينما لم تستثمر إلا أقل القليل من مواهبها، أما المسرح فى سنوات توهجه، النصف الأول من ستينيات القرن العشرين، فقد أهمل عبقريتها الفذة إلا قليلا، والأمر نفسه مع المسلسلات التليفزيونية، المأوى الأخير بعد انهيار السينما والمسرح وتراجع تأثيرهما. قد يكون صحيحا أنها قدمت الكثير، لكن الصحيح أيضا أنها لم تقدم كل ما عندها من عطايا.

 على الذين يرغبون فى الدراسة العملية لمعنى أن تكون ممثلا عبقريا، متابعة أداء الفنانة القديرة فى أفلام مثل «بداية ونهاية»، «الزوجة الثانية»، «المستحيل»، «الشيطان والخريف»، «الرسالة»، «توحيدة»، «المجهول»، «اضحك الصورة تطلع حلوة»، وفى مسرحيات ومسلسلات لا يتكرر عرضها فى القنوات الفضائية.

 إنها ممثلة عالمية بكل ما تعنيه كلمة العالمية، وطاغية الحضور فلا يملك من يراها إلا أن تخطفه نداهة الإعجاب والذوبان فى الشخصية التى تقدمها. مصرية الوجه والروح والإحساس، مثقفة تؤمن برسالة الفن ودوره فى مقاومة القبح والتفاهة.

.. ولا.. يا حمو.. التمساحة ياله!.