رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

 

الحرية هى جوهر الوجود الإنسانى، وربما أصبح الإنسان إنساناً بفضل وعيه بأنه حر، وأن الحرية تُشكل جوهر وجوده وحياته، فهو الكائن الأكثر احتياجًا للتحرر ولقهر جبرية الظواهر وتحطيم الأغلال والقيود التى تقف فى طريق تحرره. وهناك علاقة وثيقة بين ممارسة الحرية وبين قيمة التسامح. فالشعوب التى لم تعرف الحرية هى شعوب عاجزة عن التسامح وتتسم بقدر عالٍ جدًا من العنصرية والتعصب. وعلى العكس فالشعوب التى تذوقت طعم الحرية هى القادرة على التسامح وقبول الآخر. وجدير بالذكر أن مقولات مثل التحرر والتسامح والأنسنة ليست مقولات سياسية فحسب بل هى مقولات أخلاقية أو تحديدًا قيمية وثقافية.

من جانب آخر فإن، مقولة الحرية مقولة ليست سهلة أو بسيطة، فكثيرًا ما نتوهم أننا أحرار، وكثيرًا ما نعيش وهم الحرية ونحن فى واقع الأمر نرزح تحت وطأة العبودية!

ورغم أن الاعتقاد السائد لدى البشر هو أن تاريخ الإنسان هو تاريخ النضال من أجل الظفر بحريته، إلا أن حقيقة الأمر، وكما تؤكد شواهد كثيرة تاريخية وسيكولوجية وأنثروبولوجية، أن تاريخ الإنسان هو تاريخ الهروب من الحرية والفرار من مواجهة عبء المسئولية الذى ينشأ عن إمكانية ممارسة الإنسان لحريته واختياره لمصيره وحياته.

ويبدو لى أن مقولة الحرية قد اكتسبت دلالة سلبية فى الوجدان وفى اللاوعى الجمعى للجماهير نتيجة أن الحرية ترتبط على المستوى الأسطورى – الأنثروبولوجى بدلالة سلبية هى دال الخطيئة، خطيئة العصيان، عصيان الآلهة والتمرد عليها. ففى القصة التوراتية والإنجيلية ترتبط بداية التاريخ الإنسانى بفعل الاختيار والخطيئة معًا، فقد حرم الله على الإنسان أن يأكل من الشجرة المحرمة، شجرة معرفة الخير والشر، غير أن الإنسان تمرد على أوامر الرب وأكل من الشجرة المحرمة، وكان على وشك أن يأكل من شجرة الحياة ليشارك الرب الألوهية لولا أن الرب طرده من جنته ليسكن هو وحواء الأرض. ويبدو أن هذا الأساس اللاهوتى الأنثروبولوجى لارتباط الحرية بالخطيئة والمعصية والتمرد على أوامر الرب، وصم كل فعل اختيار باللعنة، وجعل الحرية مُدانة وملعونة دائمًا؛ لكونها تمردًا على السلطة فى كافة صورها وأشكالها.

وعندما نناقش علاقة التحرر بالتسامح أرى أنه من الأفضل أن نتعرض بالتحليل والنقد لما يُمكن أن نسميه بالرضا بالعبودية واعتياد القهر. فكثيرًا ما تُدافع الشعوب عن عبوديتها وعن جلاديها وسادتها حتى الموت، وهذه ظاهرة تنتشر فى الثقافات العبودية الأبوية وفى الأنظمة السياسية – الدينية، حيث إن الإنسان يستمرئ القهر ويستعذب الخضوع ويصبح مجرد رأس فى قطيع، وفى كل هذه الحالات يفتقد الإنسان حريته وقدرته على التحرر، ومن ثم فإنه يفتقد أيضاً القدرة على التواصل مع الآخرين أو التعايش معهم وقبولهم، فغياب الحرية والرضا بالعبودية معناه حيونة الإنسان وانتزاع أروع ما فيه من إمكانات، وإحالته إلى مسخ وإلى كائن بهيمى تحركه غريزة العدوان ويحركه دافع الموت كما يذهب «سيجموند فرويد».

ولكن يبقى السؤال: ترى لماذا يهرب الناس من الحرية، وما الأسباب التى تدفعهم للارتماء فى أحضان العبودية والإذعان للقمع؟ وللإجابة عن هذا السؤال لا بد من أن نُحلل أولًا بنية القهر، والأساليب التى من خلالها يهرب الإنسان من عبوديته، ثم نتوقف عند أهمية الحرية وضرورتها بالنسبة لقضايا أخرى كالأنسنة والعيش المشترك والتسامح وقبول الآخر... إلخ، وهذا ما سنعرض له فى مقالنا القادم.