رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نحو المستقبل

تحدثت فى المقال السابق عن فلسفة الحياة والموت وعما يشعر به الانسان من آلام حينما يصطدم بحقيقة الموت المفزعة أمامه وهو يختطف الأحباء من أهله وأصدقائه، ويبدو أنه كان حديثا ثقيلا على أصحاب النفوس الطيبة المؤمنة المتفائلة دوما ؛ إذ قال لى أحدهم : لم هذه النغمة شديدة الحزن فى هذا المقال.. نريد أن تكتب فى فلسفة الأمل ! ووجدتنى بالفعل أستغرق فى التفكير، وكم كانت دهشتى حينما لاحظت أن لفظى الأمل والألم لهما نفس الحروف إذ لو أعدنا ترتيب الحروف لانقلب الألم إلى الأمل وانقلبت الآلام إلى آمال، ووجدتنى أقول : حقا إن المخرج الحقيقى من الشعور بالألم هو الأمل ؛ فأيًا كانت الآلام وأيا كان مصدرها فإن التغلب عليها إنما يكون بالتفكير فيما نحن فاعلون غدا أو بعد غد!

إن الحياة بالأمل فى مستقبل أفضل نتغلب فيه على كل ما نكابده من آلام أو مشكلات هو الطريق إلى جعل الآلام تتنحى إلى هامش الشعور لتترك بؤرة الشعور للتفاؤل والحنين إلى مستقبل أفضل يحل فيه العمل والطموح محل الجمود والانطواء على الذات. وقديما حدثنا أبيقور وهو أحد فلاسفة اليونان فى العصر الهللينستى عن روشته للتخلص من الآلام سواء كانت آلام الجسد أم آلام النفس معتبرا بالطبع أن آلام النفس أشنع وأشد وطأة من آلام الجسد ؛ فلو أن أحدنا أحس بألم الجوع أو ألم العطش فيكفيه كسرة من الخبز أو ثمرة فاكهة وان أحس بألم العطش فيكفيه شربة ماء من أى مصدر وهذا أمر هين، ولكن الإحساس بالألم يتضاعف حينما يتعدى الجسم إلى التأثير فى النفس ويتضاعف أكثر فأكثر حينما يتعلق بالعواطف والمشاعر وما ذلك إلا لأن آلام النفس – فيما يقول أبيقور – تتعلق بالماضى والحاضر والمستقبل حيث يتألم الانسان ألما شديدا يستدعى ما مضى وماهو كائن وما يمكن أن يكون من مشاعر سلبية تدمى القلوب وتقشعر لها الأبدان هما وكمدًا. ومن ثم فقد قدم لنا أبيقور روشتة للتخلص من هذه الآلام النفسية وخاصة إذا كانت تتعلق بفراق الأحبة والأصدقاء، وتتلخص فى أمرين ؛ استدعاء الذكريات اللطيفة التى عشناها معهم والأمل فى لقائنا معهم مستقبلا، فالذكريات السعيدة ستبث فى النفس المتألمة السكينة والطمأنينة فى الحاضر.

 وبالطبع فإن للفلاسفة المؤمنين رأيا آخر ؛ فقد أمر سقراط – على سبيل المثال - قبيل تنفيذ حكم اعدامه ( وكان بشرب السم ) زوجته وأطفاله بالخروج من المكان وأمر كل من كانوا موجودين من أصدقائه وتلاميذه بالكف عن البكاء وليفرحوا معه فهو يتوق إلى أن تخرج روحه من أسر هذا الجسد الفانى لتلتقى بأرواح حكماء وشعراء أحبهم وكان ولا يزال يتمنى لقاءهم فى العالم الآخر. وكم كانت كلمات باسكال الفيلسوف الفرنسى الشهير فى القرن السابع عشر معبرة عن رؤية سقراط حينما قال» ليس هناك خير فى الحياة إلا الأمل فى حياة أخرى ولايكون المرء سعيدا إلا بقدر اقترابه من هذا الأمل «، وكم كان كانط أشهر وأهم فلاسفة القرن الثامن عشر آملا وواثقا من مصيره الخالد حينما قال « ليس الموت إلا القناع الذى يخفى نشاطا أكثر عمقا وأقوى مغزى وأن مايسميه القانون بالموت هو المظهر المرئى لحياتى وهذه هى الحياة الأخلاقية.. ومايسمى بالموت لا يمكن أن يقطع عملى لأن عملى ينبغى أن ينجز.. فليس هناك حد لحياتى.. إننى خالد».

تلك كانت بعض آراء الفلاسفة قديما وحديثا، فما بالنا نحن الذى نؤمن يقينا بأنه ينتظرنا حياة أخرى هى «الحياة» لوكانوا يعلمون ؛ فمن سبقنا إلى الرحيل إليها حاملا معه عمله الصالح ينعم فيها بالسعادة والهناء حيث وعدهم الله بجنة عرضها السموات والأرض يستمتعون فيها بخيرات لم تسمع بها آذاننا ولارأتها أعيننا !. إن على من يتألمون منا لفراق الأحباب أن يسعدوا لسعادتهم الأخروية وأن يعملوا ما وسعهم العمل وأن يسعوا ما استطاعوا إلى الإكثار من العمل الصالح متفائلين بحلاوة اللقاء معهم فى عالم الخلود والحياة الأبدية. ولنتذكر هنا قول القائل : أن الناس معادن تصدأ بالملل وتنكمش بالألم وتتمدد بالأمل. وهذا طبيعى لأن الأمل هو الذى يبعث على الطمأنينة والسرور، وهو المحفز على الصمود فى وجه الشدائد والعلو عن كل الآلام، وهو مناط الثقة فى المستقبل والداعى إلى عدم الاستسلام للكآبة والاحباط. فأهلا بالأمل باعثًا للتفاؤل والرجاء بغد أفضل ومصير حسن.