رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

أسئلة الفلسفة حول الفن والإبداع لا حدود لها ولا يوجد حسم نهائى لأجوبتها... إنها تقترب من المعنى وتلامسه لكنها لا تقدم لنا أبدًا حلولًا نهائية أو أخيرة لحيرة السؤال، وتلك هى خطيئة الفلسفة وروعتها فى الآن ذاته.

ربما نتوقف هنا عند سؤال واحد من تلك الأسئلة المحيرة التى حاول بعض الفلاسفة من خلالها أن يعرفوا الفن عبر وظيفته أو من خلال دوره فى الحياة: أفلاطون وأرسطو مثلًا جعلا من الفن أداة للتطهير؛ تطهير الإنسان عبر التراجيديا طبقًا لمقولة: وداونى بالتى كانت هى الداء.

تولستوى الأديب الروسى العظيم رأى أن الفن هو لغة للتواصل بين البشر. الماركسية جعلت الفن سلاحًا فى معركة النضال ضد الرأسمالية وضد قهر الإنسان للإنسان. جورج لوكاش الفيلسوف المجرى يكاد يُوحد بين الفن والفلسفة، ويجعل من الفن رؤية لإدراك الوجود إدراكًا صحيحًا وواعيًا. فلاسفة مدرسة فرانكفورت تيودور أدورنو وهربرت ماركيوز بشكل خاص جعلا من الفن وسيلة للتمرد على الهيمنة والتحرر من سيطرة الأنظمة القمعية. سارتر يرى أن قضية الفن هى قضية الحرية ورسالة الفنان هى تأكيد هذه الحرية، فالكتابة اختيار وعندما يختار الكاتب موضوعاته بحرية فهو أيضًا يختار جمهوره ولكن مشكلة سارتر أنه حرم كل الفنون من رسالة الالتزام بالحرية وقصرها على النثر.

إن هذه الآراء وغيرها تحاول أن تجعل للفن دورًا يتجاوز حدود نطاقه الجمالى المحدود... فماذا يُفيد الجمال أو ماذا يفعل الجمال أمام القبح الذى يسود العالم خاصة بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية. وبعد أن هيمنت الفاشية على ألمانيا وأوروبا كتب أدورنو يقول: «لا شعر بعد أوشفيتز» أو لا شعر بعد معسكرات الإرهاب والمحرقة التى أحُرق فيها اليهود. لا شك أن الفن اليوم يقف عاجزًا أمام مشاهد الإرهاب والترويع التى يشهدها العالم حاليًا من خلال المجازر التى يقوم بها الإرهابيون والتكفيريون... تلك المجازر التى طمست معالم المجازر التى ارتكبها الأمريكان فى أفغانستان والعراق التى ما زال يرتكبها الصهاينة ضد الشعب الفلسطينى.

إن الإرهاب فى كل صوره الدينية والسياسية هو اغتيال للحياة واستباحة وانتهاك حرية وكرامة وشرف الإنسان. وهنا ربما يتبقى للفن وظيفة وحيدة هى المقاومة والتذكير الدائم بالأمل، وبأنه رغم كل هذا الدمار الذى يُمارس ضد الإنسان ورغم كل مشاهد القتل والترويع والاضطهاد والإقصاء التى تحاصرنا ليل نهار... على الرغم من كل هذا وغيره ستظل حرية الإنسان هى القيمة القصوى التى يُدافع عنها الفن، ليست فقط حرية الاختيار بالمعنى الذى يريده سارتر لكنها الحرية التى تستشعر العبودية فى كل ما يحد ويُقيد إرادة وحركة وفاعلية الإنسان. إن الحرية كما نؤمن بها هى وعى بالعبودية. إن العبيد لا يشعرون بأنهم عبيد، ولكن الأحرار هم فقط الذين يستشعرون العبودية فى كل ما يمكن أن يُحيلهم إلى قطيع أو إلى آلات. الفن هو الذى يمتلك هذه القدرة السحرية على تثوير الوعى، وإيقاظ الرغبة فى التمرد وكسر القيود وتحطيم الجمود.

ولكن لا يجب أن ننسى أبدًا أن الفن لا يستطيع أن يفعل هذا إلا من خلال بنيته الفنية الحسية والجمالية، وهو لا يمتلك عصى موسى السحرية، ولكنه يمتلك الكلمة أو الإيقاع أو اللون أو الكتلة أو الصورة ليخلق عالمًا جديدًا يقف مواجهًا ومنافيًا ورافضًا لهذا الواقع الرديء، ومع ذلك فإن العالم الذى يخلقه الفن ليس انسحابيًّا أو هروبيًّا، ولا يسعى أبدًا لأن يكون أداة لتزييف الواقع وتجميله إنه يظل وفيًّا لرسالة الحرية عبر فضحه لكل محاولة تُحاول النيل من حرية الإنسان أو تُحاول إخضاعه أو ترويضه أو تهميشه.

إن هذه الرغبة فى تغيير وتنوير وعى الإنسان تمهيدًا لتغيير العالم هى مصدر للسعادة الحقيقية لدى الفنان، وهى أيضًا مصدر للفرح لدى الجمهور الذى يُوقظ لديه الفن الحنين إلى الحرية، والحنين إلى تحقيق شكل خاص من الفردوس الذى لا يتأسس فى عالم آخر، ولكن داخل هذا العالم وداخل هذا العالم وحده.