رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ندى

فى ظل الأجواء المفعمة بالتوتر والقلق والخوف من المستقبل،وفى أجواء الترقب والحذر وإنتظار المجهول, يحن الإنسان إلى العيش ولو للحظات فى الذكريات الجميلة لينهل منها ما يخفف به آلامه ويهدأ من روعه، ربما يهنأ بلحظة سعادة ولو عابرة .

فالعاقل من يبحث عن المنحة داخل المحنة، لأن قدر الله تعالى كله خير، والفترة الماضية التي فرضت علينا عزلة اختيارية كان من أهم مميزاتها الوقوف مع النفس، واجترار ذكريات الزمن الجميل، هروبا من الواقع الأليم من ناحية، ومحاولة محاكاة الماضي الرائع بكل ما يحمله من قيم سامية، ورجال عدول أخرجوا لنا جيلا ما زلنا نعيش على نتاجه ونتغنى بأعماله.

أغمضت عينى لأعود بالذاكرة إلى الوراء حيث النشأة الأولى فى قرية النزل بمحافظة الدقهلية, وسريعا ما تذكرت الأصالة والشهامة التي كانت موجودة بالسليقة دون تكلف أو عناء، لأن المنظومة كانت سليمة في جميع القرى، والقيم مغروسة تلقائيا في النفوس، يرويها الآباء والأمهات فيمتص رحيقها الأبناء فتكون النبتة الصالحة القادرة على مواجهة التحديات مهما عظمت، الصلبة دائما تتكسر عليها المصاعب، الباقية أبدا على عهدها مهما تغير من حولها.

إحتضنتنى هذة القرية , وكعادة صبيان قرى مصر ارتبطت بالمسجد منذ الصغر, وكان قريبا من منزلي مما سهل على الذهاب إليه  منفردا محاولا إثبات الذات والقدرة على الإنفصال من يد والدى رحمه الله, الذى علمنى الفضيلة دون أن ينطق بكلمة واحدة, كنت أره فاقلده , وتحولت العادة إلى عبادة أفعلها دون عناء أو مجهود.

وفى المسجد تعلمت أمور الدين والفقه بطريقة مبسطة ممتعة تناسب جميع الأعمار, وبوجهه طلق بشوش , فشربت العلم الشرعي بسهولة وتلقائية, وتعلمت فنون اللغة العربية بغير عناء مما كان له أبلغ الأثر في حياتي لاحقا, كما تعلمت الحب المجرد, والإخلاص فى القول والعمل, والحياء وكثير من حسن الخلق بنفس التلقائية , لأن المنظومة صالحة نقية, تجد القدوة فى كل مكان, رغم بساطة الحياة, وضعف الإمكانات , إلا أن الرضا يشع من وجوه الجميع, وكلمات الشكر والحمد  لا تتوقف, والأمل فى الله لا ينقطع.

كانت القرية كلها على قلب رجل واحد فى الاتراح والأفراح, يعرف بعضها بعضا, ويحفظ الجميع حقوق الجميع, كتاتيب تحفيظ القرآن تملأ جنباتها , دروس العلم فى المساجد لا تتوقف, مشروعات الخير تنهمر, الأجيال الكبيرة تساعد الشباب الصغير بكل ما تملك, أتذكر ما قام به شباب الجامعات من تقديم"فصول تقوية" فى الصيف لتلاميذ المراحل المختلفة دون مقابل, وقيام أهل القرية جميعا بالمشاركة فى تنظيف قطعة أرض فضاء لبناء مركزا للشباب, بالإضافة إلى المشاركات المستمرة فى بناء المدارس والمعاهد الازهرية وغيرها من مشروعات الخير.

كانت القرية الطيبة منتجة لجميع ما تستلهكه- تقريبا- فالبيت به كل شيء, إما من داخله أو مما يأتى من الأرض, وإذا جاء الخير من الأرض فلا بد أن يعم جميع الجيران.

وتذكرت نوع نادر من الرجال وهبوا أنفسهم لفض المنازعات وإصلاح ذات البين, يقضون الساعات الطوال لتقريب وجهات النظر وإزالة الجفوة , ولا يتركون القضية إلا  بعد توفيق الله لهم باصدار حكم عادل يحترمه الجميع, ولذلك كانت القرية لا تعرف المحاكم إلا فيما ندر.

ذكريات لا  تنسىى  ,وأيام  منقوشة  فى  الذاكرة,  ماأحوجنا إلى  العودة إليها  فى  هذا الزمن  المادىى الذى  حولنا  إلى آلات  تدور  بسرعة فائقة  حتى  إذا  وصلت منتهاها  عادت  من  جديد.

[email protected]