رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

كان يراود آبراموس الحبشى حلم أن يصبح ملكاً حِميريًا يبسط سلطانه على ربوع اليمن فلما تغلب على ملكها أرباط بالحيلة والغدر شيد كنيسةً فخيمة سمَّاها القلّيس زينها برخامً وأمتعةً أخذها من قصر بلقيس، فلمّا أتم بناءها بالذهب والفضة كتب إلى سيده: «إنى قد اقمت لك كنيسة لم يرَ مثلها قط ولست بمنتهٍ حتى أصرف إليها حج العرب» ولكن العرب استقبحوها فتسلل إليها رجل من كنانةَ خلسة فبالَ فيها فاستشاط أبرهة غضبًا وتوجه تلقاء مكة بجيش جرار يستقدمه رهط من الفيلة للترويع والترهيب ولم يزل سائرًا يغلب من يلاقيه، حتى استقر الركب بالمغمس قرب الكعبة ثم أرسل فى طلب القوم يخبرهم بأنه لم يأت لحربهم وإنما لهدم البيت المعمور، ففزعوا منه، وهربوا إلى شعاب الجبال ينظرون ما هو فاعل.

وفى اليوم الثانى أقبلت عليهم كالسحاب طيور غريبة ليست نجدية ولا تهامية مسوّمة بحجارة من سجيل فجعلتهم كالتبن المأكول بعد ان تفشى فى الرحل وباء الجدرى والحصبة ففعل ما يندر وقوعه وكان أول مرة يظهر فى جزيرة العرب فهلك الأشرم وجنده بعد ان انسلخت جلودهم عن عظامهم وقد نقشت سيرتهم فى ذاكرة الأولين حتى صارت عبرة وآية فهل من مدكر.

يبدو ان الصيرورة التاريخية تتحكم فى كثير من تصرفات المجتمعات البدائية فبئس الطموح القاتل الذى يورد المهالك فهل يتعظ أصحاب السد من مصير أصحاب الفيل؟ لا اظن فالشواهد تؤكد ان الطبقة الحاكمة فى اديس ابابا يتلبسها وهم كاذب انهم سيكونون التاجر الأكبر للطاقة والمياه ومن ثم يصبحون ملوك أفريقيا الجدد، أعتقد ان مفتاح فهم الأشكالية الإثيوبية يبدأ من تفكيك عقدة الخصام غير المبرر مع إرثها التاريخى فقديمًا كانت تعرف ببلاد الحبشة نسبة إلى قبيلة حبشت العربية التى هاجرت وأسست حضارة عظيمة هناك حتى أطلت الفتنة برأسها وأوغرت صدور بعض القبائل المحلية فتم تغيير الاسم إلى إثيوبيا والتى تعنى بالامهرية «الوجوه المحترقة» فى إشارة لافتعال صراع وهمى بين العرب والافارقة وهذا تدليس بين تدحضه حقائق التاريخ وثوابت الجغرافيا.

منذ ذلك الحين يعانى نظامها السياسى من متلازمة ذهنية متعجرفه بحجة انها لم تستعمر قط، وعناد طفولى انعكس على تقويمها الميلادى الوحيد الذى به 13 شهر فى السنة!! وأيضاً عقلية صفرية لا تؤمن بأى معادلات كسبية. لا شك أن أضغاث الهيبة وهواجس المكانة لا تستند على أى روافع مادية حقيقية فأثيوبيا دولة هشة بالمعايير الدولية فهى تتحدث 90 لغة وتتناحر فيها 80 مجموعة عرقية مختلفة لم يتوقف بينها القتال أبداً ولهذا تنفصل أقاليمها الواحد تلو الآخر بالإضافة إلى اقتصاد بدائى متهالك على الرغم من فيض الثروات الطبيعية ناهيك عن ضعف قوتها العسكرية المتدنية ولكن بسبب نجاح الماركسى ميلس زيناوى فى قتال جماعة الشباب الصومالية بعد الهزيمة المنكرة للجيش الأمريكى فى مقديشيو لذا اضحى زيناوى شرطى أمريكا المفضل فى القرن الأفريقى وهنالك قررت واشنطن انضاج هندسة القرن الأفريقى استراتيجيًا على نار هادئة بجعل إثيوبيا قوة اقليمية صاعدة تنافس مصر التى نجت من فخ الفوضى.

وهذا ما يفسر تأييدها الصامت لبناء السد حتى تمتلك اديس ابابا القنبلة المائية وتصبح مسألة تسليع الماء كالنفط امر واقع وعندئذ تتوافر الموارد المالية والاستراتيجية اللازمة. من يقف خلف السد يدرك جيدًا انها معركة رجال الظل فى دهاليز الأحراش وهذا ما ألمح إليه بايدن عندما قال: «أعتقد أن مصر تتحلى بالمسئولية لتدرك أن تجزئة إثيوبيا تضر بشكل أساسى بالأمن الإقليمي»

حسناً سيفوز فى إدارة هكذا صراع متعدد الابعاد مَن يتحلى بالثبات الانفعالى فى حساب كل حركة على قرعة الشطرنج الملتهبة. قديمًا حذر أخيليوس أجاممنون فى الإلياذة «حذار أن تأخذ شيئا مما أملك، حاول أن تجرب ذلك حتى يعلم الجميع ماذا سيصيبك».