رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تأملات

 

 

 

فى إطار رصد تطورات أزمة سد النهضة، القضية الأهم على أجندة السياسة المصرية واهتمامات المواطن المصري، أشرت الأسبوع الماضى إلى ملامح التغير فى موقف الولايات المتحدة خلال حكم بايدن مقارنة بسلفه ترامب، إلى الحد الذى وصل لحد تأكيد الناطق باسم الخارجية الأمريكية على أن المفاوضات هى الحل الوحيد للأزمة، الأمر الذى يقيّد فى النهاية من خيارات السياسة المصرية ويطلق العنان لإثيوبيا لتنفيذ مخططاتها، فضلا عن تعارض هذا الطرح مع أبسط قواعد إدارة العلاقات الدولية على نحو أشرت إليه سلفاً.

ولعل تفاعلات القضايا التى تنخرط فيها الولايات المتحدة ذاتها تؤكد تغيبب هذا الطرح ويأتى على رأس هذه القضايا الأزمة الأوكرانية التى تدور فصولها فى الوقت الحالى بالتوازى مع فصول أزمة السد.

دون التطرق لتعقيدات الأزمة فإن المنطق البسيط ربما يقود المرء إلى تصور أنها، على شاكلة أزمة السد، لا ناقة للولايات المتحدة فيها ولا جمل، فهى نزاع أقرب إلى حرب أهلية فى أوكرانيا تبدو روسيا فيه تساند أحد أطرافها من منطلق أن أوكرانيا ذاتها كانت جزءا من الدولة السوفيتية الأم.

غير أن المفارقة تتأتى من تباين الموقف الأمريكى من الأزمتين، أزمة سد النهضة وأوكرانيا، تباينا يصل إلى حد التناقض! 

فعلى خلاف النأى بنفسها عن أزمة السد مع دعوات التهدئة التى صدرت منها فى قضية حيوية تتعلق بالمياه التى تمثل مسألة حياة للمصريين، فقد لجأت الولايات المتحدة إلى لغة بالغة الخشونة فى الأزمة الأوكرانية، ليس كطرف بعيد عن الأزمة وإنما كطرف أصيل فيها. وكان من اللافت هنا إعلان واشنطن عن اعتزامها إرسال سفينتين حربيتين إلى البحر الأسود – مهمة تم إلغاؤها فيما بعد - عبر مضيق البوسفور على خلفية التوتر بين أوكرانيا وروسيا، الأمر الذى لا يوجد أى شك فى أنه عمل عسكرى يهدد بإشعال حرب بين القوتين روسيا والولايات المتحدة بل روسيا والناتو ككل رغم تضاؤل احتمالات حدوثها بالطبع.

قد ينتاب المتابع العادى الدهشة، رغم أن ذلك من طبائع العلاقات الدولية، من إقدام الولايات المتحدة على مثل هذه التحركات فى إطار ما يمكن وصفه بـالصراع على «مناطق نفوذ» وليس مصالح استراتيجية حيوية توجد مهددات تمس بها أو يمكن أن يلحقها الضرر.  صحيح أن هذه السلوكيات من طبائع الكبار أو القوى الكبرى بمعنى أصح، وهو أمر ساد على مدار التاريخ، غير أن الصحيح أيضا أن المصالح الحيوية تسود بشأنها مثل هذه التحركات مهما بلغ عدم قوة الطرف الذى تتعرض مصالحه للتهديد، ولعله من هنا تأتى جسامة فكرة دعوة واشنطن لأن تكون المفاوضات هى الخيار الوحيد لحل أزمة سد النهضة!

إن دلالة هذا الموقف، على صعيد قضية السد، ومن منظور الجانب المصري، دون أن يكون فى كلامنا تحميل للموقف الأمريكى أكثر من مدلوله،  أنه فيما تنبرى واشنطن لكى تزيد من هيبتها وتوسع نطاق نفوذها إلى مناطق ليست ضمن نفوذها من الأصل – دون إنكار هذا الأمر لها باعتباره من مقتضيات السياسة الدولية - فإنها تسعى لطمس الدفاع المصرى عن حقه وتمييع القضية من خلال فكرة المفاوضات الحل الوحيد!

الخلاصة التى يمكن الانتهاء إليها من تفاعلات الأزمة الأوكرانية سواء تلك الصادرة عن واشنطن وحليفاتها الغربيات وعلى رأسها بريطانيا، أو تلك الصادرة عن روسيا، بل وحتى تلك الصادرة عن أوكرنيا بالسعى لتسريع الانضمام للناتو، هى أن القوة هى السلاح الفعال لكى تحفظ الدول لنفسها حقوقها قبل هيبتها. واذا كانت هذه الخلاصة ترتقى إلى مستوى البديهيات لأى دارس للعلوم السياسية، فربما تأتى أهميتها من طبيعة التوقيت وتشابك أزمات النظام الدولى على نحو يفرض التذكير بها. وتتعزز أهمية هذا التذكير فى ضوء رصد السلوك الإثيوبى فى مواجهة السياسة المصرية القائمة على تقديم فكرة حسن النية، والتى ربما تكون قدمت مؤشرات سلبية غير صحيحة نتيجتها الأساسية ضبابية المشهد فى أزمة السد رغم أن خطوة الملء الثانى أصبحت على الأبواب!

 

 

[email protected]