رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

 

شهد العالم منذ أيام قلائل ذلك الموكب المهيب لملوك مصر العظيمة، وهم يجوبون شوارع وميادين المحروسة، وكأنهم خرجوا ليتفقدوا أحوالنا الحضارية والحياتية! بعد أن غادرونا منذ ألوف السنين!! لقد كان مشهدًا فريدًا، اختلط فيه الجلال بالجمال: جلال وعظمة أجدادنا صناع هذا التاريخ العظيم، وجمال الفن الراقى البديع الذى يجمع بين الموسيقى والرقص والغناء.

إن روعة المشهد العظيم، وحضور الرئيس ومتابعته للحدث، كل ذلك جعلنى أشعر بالأمل. ومع ذلك انهالت على رأسى الأسئلة: لماذا أضعنا هذا المجد التليد؟ لماذا فقدنا ذاكرتنا التاريخية؟ لماذا استبدلنا بثقافة الخلود والنهر ثقافة الموت والصخر؟ لماذا داهمتنا أوبئة التطرف الدينى وذهنية التحريم والتكفير، وانتشرت بيننا تقاليد القبيلة والعشيرة؟ لماذا تشوهت الذائقة الفنية لأطفالنا وشبابنا وبناتنا، ولم يعد لديهم ما يسمعونه سوى حنجرة وكزبرة وعنبة وحمو بيكا.. ورمضان.. وغيرها من تلك المسوخ القبيحة المشوهة التى أصبحت بين ليلة وضحاها نجومًا ورموزًا يسعى أبناؤنا إلى محاكاتها بطريقة بلهاء!

ولعل السؤال الأهم من بين كل هذه الاسئلة: من نحن؟ إلى أى ثقافة ننتمي؟ هل نحن أبناء هذه الحضارة الفرعونية التى أذهلت الدنيا وعلمت البشرية؟ أم نحن أبناء ثقافة القبيلة الوهابية التى ورثنا عنها قيم التعصبية والذكورية والأبوية والماضوية والجمودية والعرقية والسلفية والاصطفائية والنرجسية؟

إن سؤال الهوية من وجهة نظرى هو سؤال إفلاس حضارى، لأن الهوية ليست وديعة أو أيقونة نفتش عنها فى اللحظة التى نعجز فيها عن التعرف على ذواتنا. الهوية هى وجود يتحقق عبر الزمان والمكان، هى ديمومة تاريخية ونفسية، وهى كيان يتشكل عبر المعايشة، ومن خلال الممارسة.

وإذا تساءلنا عن هويتنا الحالية سنجد أنها هوية بلا ملامح واضحة تشبه تلك الفتاة المصرية التى تضع حجابًا فوق رأسها وترتدى الفيزون، وتستمع لعمرو خالد ومصطفى حسنى فى نفس الوقت الذى ترقص فيه طربًا على أغانى المهرجانات. إن هذه الفتاة المصرية العصرية هى تجسيد لهذا السديم الحضارى الذى نعانى منه، الذى هو نتاج اغتراب حضارى مزدوج: فنحن مغتربون عن جذورنا الحضارية الأصيلة التى لم تزل آثارها باقية بيننا حتى هذه اللحظة، ونحن أيضا مغتربون عن مسيرة التقدم العلمى والحضارى الغربى، لأننا لا نشارك فى صناعة مفردات هذه الحضارة، ونكتفى فقط بدور المتفرج والمستهلك والتابع. فلم نسمع عن عالم عربى أو مسلم قدم للبشرية نظرية علمية جديدة أو اختراعًا من الاختراعات. إن كل ما نملكه هو النصوص والكلمات، والتعاويذ والرقى والدعوات، وعلماؤنا ليسوا علماءً فى الفيزياء أو الكيمياء أو الطب، ولكنهم علماء فى الدين. إنهم يمتلكون علمًا مطلقًا، ومعرفة كاملة. وهذا ما أطلقنا عليه– فى مقالنا السابق عبر هذه المنصة– اسم «الجهل المقدس».

هذا الجهل المقدس هو آفتنا الحقيقية، وهو ما يعوق تطورنا وتقدمنا، ولا منقذ لنا غير العقل– عودوا إلى العقل، إلى المعرفة، إلى العلم، إلى الإبداع. إن سر معجزة الحضارة المصرية القديمة يكمن فى احترمها للمعرفة والإنسان والعمل، لذلك فإن علينا أن نستلمهم روح هذه الحضارة ونعلمها للأبناء فى مدارسنا وجامعاتنا، كى تعرف الأجيال الجديدة عظمة الأجداد ويتعرفوا على تاريخهم الحقيقى وليس التاريخ الزائف والمستعار.

إن المسئولية الملقاة اليوم على عاتق الدولة المصرية مسئولية كبيرة وجسيمة، إذ إن عليها أن تنفض عن كاهلها غبار ورواسب الثقافة الوهابية، وأن تعطى ما لله لله، وما لقيصر لقيصر، وإن أردنا إصلاحا حقيقيًّا فإن علينا أن نطهر الخطابات التعليمية والثقافية والسياسية من سلطة الكهنوت الدينى. لابد من تعزيز ثقافة المواطنة وتطهير القوانين والدستور من كافة المواد المقيدة للحريات. إن علينا أن نستوعب الدرس: ففى خلال ساعات قلائل هى زمن موكب الموميات عشنا وعاشت مصر كلها حالة خاصة من النشوة والفرح والزهور، ورأينا مصر وهى تولد من جديد. مصر التى لم نكن نعرفها جيدًا، ظهرت للدنيا مثل امرأة بهية تحررت من عبوديتها وخرجت من سجنها وحطمت قيودها. هكذا تكون مصر عندما تستعيد قوتها الفنية والإبداعية الناعمة، وعندما نسترجع ذاكرتنا الحضارية العتيقة. تحية احترام وإجلال وتقدير لكل من شارك فى صنع هذا الحدث العظيم من الفنانين والإعلاميين والسياسيين والمثقفين.