رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

 

عندما كتب جى ديبور كتابه «مجتمع الفرجة» عام 1992 لم تكن البشرية قد دخلت بعد دنيا العالم الافتراضى، ولا أدرى لو كتب ديبور مجتمع الفرجة الآن ترى ماذا كان يمكن أن يقول خاصة بعد أن افترس العالم الافتراضى العالم الواقعى وأصبحنا نفضل الصورة على الأصل، والمظهر على الوجود والوهم على الحقيقة، لقد أفقدنا هذا العالم الجديد ذواتنا وانتهك عالمنا الداخلى فلم يعد لدينا ما نحتفظ به لأنفسنا ولم يعد لدينا أسرار، أصبح عالمنا هو العالم الخارجى، عالم الاستعراض، عالم الفرجة، أصبحت الصورة هى أيقونة العصر المقدسة، الناس تعرض على صفحاتها كل شىء يخص حياتها السرية: أحلامهم.. طعامهم.. أحزانهم.. أفراحهم.. آلامهم.. أوجاعهم.. أمراضهم.. أمواتهم.. ملابسهم الداخلية والخارجية.. أطفالهم.. أحفادهم.. جنونهم.. بلاهتهم.. أحقادهم.. كل شىء.. كل شىء لم يعد لدينا ما نحتفظ به لأنفسنا، فليس مهما أن نشعر بالفرح قدر اهتمامنا بأن يشاهد الناس ذلك، وليس مهما مقدار ما نشعر به من حزن ولكن الأهم أن يشعر الناس بأننا نحمل أحزانًا لم يعرفها أحد من قبل. وليس مهما مدى ما نشعر به من تقوى وورع ولكن الأهم هو أن يرانا الناس وتحت نرتدى ملابس الإحرام أو نمارس الطقوس!!!

بكلمة واحدة أصبحت حياتنا أشبه بالسلع المعروضة، وليتها معروضة فى الفاترينات ولكنها للأسف معروضة على الأرصفة وفى الطرقات!!

وربما قد لا يعجب هذا القول بعض الأصدقاء، فيقولون: لماذا لا نعتبر الفيس بوك فضاء إنسانيًا للبوح ولتفريغ الشحنات الانفعالية المكبوتة ومجالًا للتعبير الحر عما يجيش بأعماق الإنسان، أو لماذا نستكثر على هؤلاء البشر التعساء أن يصرخوا ويعلنوا عن أنفسهم، وقد عبر عالم الاجتماع المصرى «سيد عويس» عن هذا المعنى فى كتابه «هتاف الصامتين»، والذى كان رصدًا للكتابات التى يكتبها المهمشون على جدران بيوتهم أو على ظهور سياراتهم. لماذا لا نعتبر منشورات الناس على الفيس نوعًا من هذا الهتاف والصراخ المكتوب والمبحوح، لماذا لا يكون الفيس ملاذًا لكل هؤلاء ممن لم يجدوا أحدًا ليسمعهم أو ليحنوا عليهم فخلقوا لأنفسهم هذا الهامش الذى من خلاله يعرضون لصورهم ومآسيهم وأفراحهم وأتراحهم.. إلخ.

كل هذا جميل ومقنع لكن هل يستطيع الفيس أن يخفف حقًا من آلام البشر أى أنه مسكن يشبه قرص الأسبرين الذى يخفف العرض ومع ذلك يبقى المرض؟ هل يستطيع الفيس أن يجعل البشر سعداء وهم تعساء بما فيه الكفاية؟

يبدو أننا أجبنا عن الأسئلة بالمزيد من الأسئلة.. على أية حال أنا مع أى وسيلة يمكن أن تخفف من آلام البشر حتى لو كانت وهمًا، خاصة إذا تذكرنا أن الأوهام هى أكثر الأشياء التى نحيا بها.

ولكن ما كنت أعنيه وأقصده هو أننا ينبغى أن نحتفظ لأنفسنا بشىء من الخصوصية التى تبقى غير مدنسة بالفضول الرخيص للآخرين، ولا يجب أن نحول حياتنا الخاصة إلى فضيحة مدوية تشبه راقصة الاستربتيز التى تتجرد من ملابسها قطعة قطعة حتى تكشف عن عريها التام الذى معه يسقط شبق الرغبة وبريق الشهوة. أنا ضد أن يتنازل الإنسان عن خصوصيته ليصبح نهبًا وملكًا مباحًا ومكشوفًا للآخرين. أنا ضد أن يتحول الإنسان إلى شىء، أن يعرض نفسه أو ذويه وهم على فراش المرض أو الموت أو وهم فى غرف العمليات وكأنه يستدر عطف الآخرين. أنا ضد هؤلاء ممن يعرضون أنفسهم بجوار سياراتهم الفارهة أو داخل ملابسهم الجديدة أو فوق موائدهم الحافلة بالأطعمة. وأنا ضد هؤلاء ممن أصابتهم أمراض العقلية السحرية فيستحلفك أن تفتح رسالته وتقرأها وترسلها إلى أصدقائك حتى تحل بك البركة ويعود إليك الغائب وتأتى إليك الأموال والخيرات من كل فج عميق!!!

أنا شخصيًا سئمت من الرسائل التى تأتينى على الخاص لأنها غالبًا تكون من هذه النوعية، ولذلك نادرًا ما أطالع هذه الرسائل، لأنها تصيبنى بالغثيان، بل وأحيانًا يداهمنى هذا الشعور بالعبث عندما أنشر صورى أثناء طقوس المناقشات العلمية، خاصة وأن معظم الرسائل معادة ومملة وتافهة والباحثون أكثر تفاهة وضحالة، وصورنا ونحن نرتدى أرواب المناقشات تذكرنى بكهنة المعابد القديمة فنتصور ونحن واهمون أننا ملاك الحقيقة المطلقة، وأنا كثيرًا ما تنتابنى هذه الحالة من النرجسية الكهنوتية المريضة لكن سرعان ما لتخلص منها بسرعة ويعود لى إحساسى المر بالحقيقة المضحكة، وهى أن مكافأتى التى قررتها الدولة المصرية نظير ممارستى لدور الكاهن العلمى غير المقدس لا تزيد على خمسين دولارًا.

قمة العبث والوهم والابتذال، ومع ذلك أدعوكم أصدقائى أن تصورا أنفسكم سيلفى وأنتم مبتسمون ولتهنأوا بالحياة فى أحضان عالم الفيس بوك الحنون الدافئ.