رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

أشرنا فى المقال السابق إلى أن الميديوكر هو النموذج العولمى الجديد الذى يلبى نداءات ومتطلبات أيديولوجيا الرأسمالية العابرة للقارات، والذى يمكن وصفه عمومًا بالإنسان الرقمى، وقد يفهم من كلامنا أن اجتياح نموذج الميديوكر لثقافتنا ومؤسساتنا يضعنا على الفور على عتبة العصر العولمى. لكن للأسف الشديد فإن هذا لم يحدث، لماذا؟ لسببين: الأول أن الميديوكر العولمى قد تحول لدينا إلى ميديوكر مصرى، وسيفرح بعض الأصدقاء ويرددون العبارة البلهاء: الهوية المصرية تستوعب كل ما هو غريب أو أجنبى، وتحتويه وتدمجه فى بوتقتها، وهذا فى رأيى أحد أوهامنا الكبرى، لأن الهوية المصرية الآن صارت مسخًا من هويات فرعونية، مسيحية، إسلامية، وهابية، صحراوية، أوربية، ولم يعد لنا هوية واضحة المعالم!

نعود إلى الميديوكر المصرى، ترى ماهى ملامحه وصورته؟ وكيف استطاع أن يوفق بين العولمية المنفتحة، والخصوصية المنغلقة؟ المسألة بسيطة جدًا تتمثل فيما نسميه بالازدواجية، وهى آلية عربية ومصرية قديمة مؤداها: نفكر بطريقة، ونسلك بطريقة أخرى. نتعامل مع مفردات الواقع التكنولوجى الحديث ونستخدمه، ثم نلعنه فى سرنا، ونحمد الله أنه قد سخر لنا هذا... إلخ.

نتحدث بكل طلاقة وثقة فى العالم الافتراضى عن حرية المرأة والمطالبة بمساواتها بالرجل، ثم نتعامل معها كعورة وجارية ومملوكة فى العالم الفعلي! لذلك لم يكن صعبًا على فئات التكنوقراط فى مصر والعالم العربى أن يتكيفوا مع ثقافة الآخر المختلفة وإخضاعها لأهدافهم وأغراضهم وتقاليدهم ومعتقداتهم. وغنى عن القول إن الكتائب الإلكترونية لجماعة الإخوان هى من أخطر وأمهر الكتائب فى العالم العربى. وعلى سبيل المثال، فقد استخدم الإخوان والسلفيون دورات التنمية البشرية كسلاح لاختراق العقل المصرى، منذ عهد مبارك وحتى الآن، وقد ظهر ذلك بشكل صارخ قبل أحداث 25 يناير وما بعدها، فقد انتشر شباب الإخوان والجماعات السلفية وحازمون وأبناء عبدالمنعم أبوالفتوح فى قاعات الأندية والنقابات تحت ستار التنمية البشرية. وتم بسهولة التخلى عن المنابر وعن اللحى والجلابيب البيضاء والخطاب الدينى التقليدى، وتم استبدال ذلك بملابس عصرية وقاعات فخمة مكيفة، وبلغة ناعمة براقة، وبدعاية مكثفة لبرامج تدعو الشباب لمهارات جديدة وتعلمهم فنونًا مثل: إدارة الوقت، مهارة المقابلة، فن اتخاذ القرار، التسويق، إدارة الذات، التخطيط للمستقبل، كيف تكون شخصًا ناجحًا، كيف تصبح مدربًا... إلخ.

ومن القيادات الإخوانية التى ارتبط اسمها بحيلة التنمية البشرية الكويتى «طارق السويدان» الذى استطاع أن يقوم بتجنيد واستقطاب عشرات الآلاف من الشباب لخدمة التنظيم الدولى للإخوان عبر توظيف برامج التنمية البشرية بكفاءة فى كل من مصر والسودان وأوربا من أجل الترويج لمخططات وعقيدة الإخوان.

السبب الثانى وراء صعوبة وصف الميديوكر المصرى بالعولمية، أنه مجرد أداة لخدمة النظام العولمى، وربما يتدنى لمرتبة العبد أو الجاسوس، لأنه فى نهاية الأمر يخدم الترسانة الدولية المعلوماتية، والدليل على ما أقوله ما يؤكده الكاتب والروائى «مارك دوغان» فى كتابه «الإنسان العاري»، «الدكتاتورية الخفية للرقمية»، الذى قام بترجمته المفكر المغربى «سعيد بنكراد». الذى يذكر فيه أن شركات آبل، وميكروسوفت، وجوجل، وفيس بوك، يمتلكون 80٪ من المعلومات الشخصية الرقمية للإنسانية. أن هذه الشركات ترصد بكل دقة هوية كل منا، وهوية أصدقائنا، ويعرفون جيدًا كيف نفكر، وكيف نحلم، وماذا نكره، وماذا نحب، فى صندوقهم الأسود كل شيء عنا: صورنا الشخصية والعائلية، ذكرياتنا، همومنا، أحزاننا، مشكلاتنا الجنسية، وأزماتنا العاطفية.. كل شيء عار ومكشوف تمامًا. ربما يكون الميديوكر العولمى تافهًا كما وصفه «آلان دونو» فى كتاب نظام التفاهة، لكن الميديوكر المصرى يفوقه تفاهة وانحطاطًا، لأنه مجرد تابع ذليل يرتبط مصيره بمصير الميديوكر العولمى، ويدور فى فلكه بلا انقطاع. إن العلاقة بين الميديوكر المصرى أو العربى بالآخر الأمريكى تشبه العلاقة القديمة بين العبد والسيد، فالأوليجاركية الرقمية (الصفوة الرقمية) تتحكم فى مصائر وأقدار عبيد التكنولوجيا فى عالمنا العربى تمامًا مثلما تتحكم الرأسمالية العالمية بمصائر الرأسمالية المحلية.

على أية حال فإن طبقة التكنوقراط فى مصر ليس لديها مشكلة على الإطلاق مع ثقافة الانحطاط التى أشرنا إليها فى مقالات سابقة، لأنها تأدلجت بخطاب دينى وهابى منذ صعود السادات إلى السلطة، ومن ثم فإن عددًا كبيرًا منها ينتمى لتيارات الإسلام السياسى، فضلًا عن أنها مهيأة بنيويًّا بحكم سطحيتها وخوائها المعرفى والإنسانى لتقبل أية منتجات فنية أو ثقافية رديئة، وللتعايش والتكيف والموائمة مع كافة الأنظمة السياسية على اختلاف أيديولوجياتها.