عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نحو المستقبل

أعتقد أن سببا من أسباب الجمود والتخلف الذى نحاول التخلص منه هو طغيان العادة والالتزام بثقافة القطيع أو بمعنى آخر الركون إلى الثقافة الشائعة، فلقد درجنا على التكيف مع مانحن فيه أيًا كانت صورته ودرجنا على التمسك بعاداتنا وتقاليدنا التى نشأنا فيها وتربينا عليها مهما كانت متخلفة ومهما كانت تعوقنا عن التقدم إلى الأمام . وليس أدل على ذلك من النظر فيما حدث حينما قررت الحكومة المصرية القضاء على العشوائيات ونقل سكانها  إلى أحياء جديدة تليق بآدميتهم وتحفظ كرامتهم خصصتها لهم وبها كل عوامل الراحة والاستقرار، لقد تململوا وتضرروا من ذلك كثيرا قبل أن يصبح الانتقال إلى هذه الأحياء الجديدة واقعا لايمكن الفكاك منه !وحتى بعد أن انتقلوا إلى تلك الأحياء الجديدة، كم حاول البعض منهم العودة إلى أماكنهم القديمة بحجة أن بها أعمالهم وأنهم تعودوا عليها ولم يكونوا يريدون تغييرها !! وهذا هو شأننا فى كل شيء فقد تعودنا على القبح وصار عادة من عاداتنا !!

 خذ مثلا آخر : لقد أخذت الحكومة على عاتقها تنظيف وتبطين الترع والمصارف  حتى تقضى على التسرب المائى وتحسن البيئة الملوثة التى كانت سمة تعود عليها سكان الريف والمدن التى تمر بها تلك الترع والمصارف المائية وأنفقت على هذا الملايين والمليارات فاذا بالناس يعيدون تلويثها ووقف جريان الماء بها بالقاء أطنان من المخلفات والزبالة فيها  !! كل ذلك وغيره يتم بحكم طغيان العادة وثقافة القطيع !! فلو أن كلا منا بصفة فردية فكر وتدبر قبل أن يتبع العادة فى سلوكه لما فعل ذلك !! وكم صدق جون ستيوارت مل الفيلسوف الانجليزى الشهير فى القرن التاسع عشر حينما قال :» يقف طغيان العادة فى كل مكان عقبة فى طريق التقدم البشرى لأنه الخصم الدائم لذلك الاتجاه الهادف نحو أى شيء أفضل من العادة « .

إن عبقرية الانسان الفرد تبدو بقدر ما يمكنه التخلص من التقليد الجامد  لكل ما تربى  عليه وبقدر قدرته على الخروج عن المألوف وتبنى عادات وتقاليد جديدة . إن الفردانية تبدو أكثر ما تبدو حينما يمتلك الفرد القدرة على التفكير بشكل مستقل مستخدما بصمته العقلية المتفردة فى ابداعات جديدة لم يعرفها أويراها الآخرون . إن الفردانية هى صنو الحرية  فلو لم يشعر الفرد  بحريته وبكينوته المستقله لما استطاع أن يبدع أى شيء جديد . وعلى العكس من ذلك فإن التمسك بثقافة القطيع والركون إليها يجعل الفرد منسحقا فيها وخاضعا لها ومن ثم يعيش المجتمع ككل حياة جامدة لا ابداع فيها ولاتقدم . إن التقدم يصنعه الفرد بإبداعه المستقل قبل أن يصبح واقعًا يعيشه وينعم به المجتمع ككل.

ولننظر إلى تاريخ التقدم البشرى منذ فجر التاريخ حتى الآن سنجده عبارة عن سلسلة من إبداعات الأفراد من الفلاسفة والعلماء فى شتى مجالات الحياة ، تلك الابداعات  التى تفاعلت معها مجتمعاتهم واستفادت منها . ومن ثم فليس غريبًا أن نمتدح الفردية والحرية وننادى بأن تزال كل القيود التى تقيد الأفراد فى الانطلاق وممارسة حرية التفكير والابداع ، فالدول التى تتيح هذه الحريات لأفرادها هى الدول التى تصنع تقدمها عبر ابداعات  أفرادها ، بشرط أن تتوافر البيئة المناسبة للتفاعل مع هذه الابداعات الفردية دون كبتها والتعمية عليها ! ولاشك أن شكوانا من طغيان العادة وسيادة ثقافة الجمود والتخلف مردود عليها بأن الفرد نتاج المجتمع الذى نشأ فيه ونوع التعليم الذى تلقاه ! فثقافة الحرية والفردانية والتقدم  ثقافة ينبغى أن يكتسبها أبناؤنا من النظم التربوية والتعليمية التى يخضعون لها منذ نعومة أظفارهم .

 والحقيقة أنه قد آن آوان أن يدرك الجميع أنه لم يعد ممكنا فى ظل السماوات المفتوحة والتكنولوجيات الرقمية وأدوات التواصل الاجتماعى الجديدة أن نربى أبناءنا على التقليد والتلقين الجامد ، فهم أفراد جدد ومستقلون وليسوا  نسخا مستنسخه  ونحن ينبغى أن نؤمن بذلك ونتيح لهم امكانية ممارسة فرديتهم وحريتهم بل ينبغى أن نشجعهم على ذلك . ومن ثم فلن يكونوا أبدا عبيدا للعادات والتقاليد الموروثة ولن تشكل هذه العادات عائقا أمام تفكيرهم المستقل وابداعاتهم الفردية .وإذا كانت الأجيال الحالية من الأباء والأجداد قد أصبحوا أسرى لعاداتهم وتقاليدهم الجامدة ، فإن الابداعات الفردية لهؤلاء الأبناء من الأجيال الجديدة  ستقود المجتمع ككل إلى التقدم.