رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

عطر الأحباب

 

 

كم تهيمن المرارة عند المقارنة بين زمن سميرة موسى والواقع المصرى المعاصر. عندما نضع صورتها الجميلة الأنيقة الوقورة الحافلة بالإقدام والحيوية فى مواجهة الصور النمطية الأكثر شيوعا وانتشارا فى أيامنا التعيسة المتجهمة، يظهر الفارق الشاسع الذى يدعو إلى الحزن والأسى، وربما الإحباط.

العظيمة الجليلة سميرة موسى «1917-1952»، ابنة مدينة زفتى، صاحبة الرحلة القصيرة فى الحياة، عظيمة الأثر فى تاريخ العلم المصري، امرأة من الفولاذ والذهب. تفوق مبكر لافت فى مرحلتى الدراسة الابتدائية والثانوية، الالتحاق بكلية العلوم فى منتصف الثلاثينيات والتتلمذ على العالم الفذ الدكتور على مصطفى مشرفة، تعيينها معيدة وسط طوفان الرفض والاحتجاج، سفرها إلى الولايات المتحدة فى بعثة للتخصص فى علم الذرة، مواصلة النجاح والحصول على الدكتوراه، الموت فى حادث مريب تنبىء الشواهد كلها عن تدبيره بمعرفة الموساد.

لماذا لا تحظى سميرة بالشهرة والتقدير؟ وكيف تخلو محطات المترو من محطة تحمل اسمها؟. هل يمكن إنكار حقيقة إن من يعرفون شيئا عن تاريخها المضيء هم أقلية استثنائية نادرة؟ إنها ابنة ثورة 1919 وثمرة ناضجة يانعة من أجمل ثمارها، وتعبر بمسيرتها غير التقليدية عن مناخ وأجواء التطلع إلى نهضة حقيقية قوامها المساواة العملية بين المرأة والرجل. ما أروع أباها المتحضر المستنير الذى يدعم ابنته بكل المتاح له من وسائل التشجيع، وما أعظم المدارس التى يقودها تربويون حقيقيون يقدرون العلم ويكتشفون المواهب الواعدة، وتتجسد وطنيتهم فى سلوك يتجاوز الكلمات الرنانة الملونة الماسخة.

التعليم العصرى الجيد هو الأمل الوحيد لخروج مصر من دوامة الأزمات الخانقة التى تحاصرها، والمسألة ليست فى النظام السياسى وطبيعة الشعارات التى يرفعها، ذلك أن الإنجاز الحقيقى هو بناء وعى المواطن الذى يعرف حقوقه وواجباته.

اقتران الذرة بالشر والدمار من الأخطاء الشائعة، والأسلحة الذرية المدمرة المهلكة هى الجانب السلبى المظلم. فى المقابل، تركز الدكتورة سميرة على تسخير الذرة لعلاج الخطير من الأمراض، السرطان تحديدا، وترى أن التوازن النووى أداة مهمة للحفاظ على السلام من بوابة القوة، وتتحمس نظريا وعمليا لدخول مصر فى الساحة التى لا ينبغى أن تنفرد بها إسرائيل.

مثل كل عالم حقيقى ذى أفق إنسانى رحيب، لا تسجن سميرة نفسها فى زنزانة التخصص الدقيق المغلق، فهى عاشقة للموسيقى تتقن العزف، بارعة فى التصوير الفوتوغرافي، قارئة متبحرة فى الأدب والتاريخ، تصمم ملابسها وتحيكها، وتسهم فى كل عمل وطنى إيجابي، من مشروع القرش ومحو الأمية، إلى جمعيات إنقاذ الطفولة المشردة ورعاية الأسر الفقيرة.

العظيمة سميرة دليل عملى على خصوبة مصر وقدرة أبنائها على العطاء بلا حدود، ولا متسع فى هذا السياق للحديث عن الجنس والعقيدة الدينية والهوية الطبقية. عندما تُتاح الفرصة للموهوبين من أبناء مصر، يتفوقون فى الساحات كافة، ويظهر المعدن الأصيل لورثة الحضارة العملاقة صانعة فجر الضمير.

السؤال الذى قد يكون معروف الإجابة، لكن طرحه يبدو ضروريا: كم كتابا أصدرت دور النشر المصرية عن سميرة؟ وما الذى يعرفه عنها الأطفال والشباب؟ ما الذى يحول دون إنتاج مسلسل، تدخل به العالمة المرموقة كل بيت، يتوقف أمام مسيرتها الجديرة بأن تكون القدوة والمثل الأعلى لملايين المصريين؟

سميرة موسى ليست امرأة عادية ولا يمكن أن تكون، فهى على نحو ما اختصار لعظمة وعبقرية الإنسان المصري، رجلا كان أم امرأة، حال توافر شروط النهضة والبناء الصحيح.

عزيزتنا سميرة.. سامحينا.