رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

عطر الأحباب

لا مبالغة فى القول إن فتحى غانم «1924- 1999» من أفذاذ الروائيين المصريين، وصاحب بصمة متفردة على صعيدى الرؤية والأداة. عالمه الروائى بالغ الثراء والعمق، ينفرد بمعالجات فنية وموضوعية لكثير من القضايا الخطيرة: الإرهاب بشقيه الوطنى والدينى فى «تلك الأيام» و«الأفيال»، عواصف التحول الاجتماعى الجذرى بعد تبنى سياسة الانفتاح الاقتصادى وما يترتب عليها من نتائج وتداعيات فى «قليل من الحب كثير من العنف»، التعذيب الوحشى للمعارضين السياسيين فى «حكاية تو»، الصراع بين الشرق والغرب فى «الساخن والبارد»، أزمة التواصل بين السلطة السياسية والمثقفين من ناحية وفقراء الوطن المحرومين من ناحية أخرى فى روايته المبكرة «الجبل»، الصراع العربى الصهيونى فى «أحمد وداود»، فضلاً عن التجريب والبحث عن أشكال جديدة طازجة فى «من أين؟» و«الغبى» و«ست الحسن والجمال» و«قط وفأر فى القطار».

الملمح الأبرز فى روايات غانم يتمثل فى رصده الدقيق الصادق لهموم الصحافة المصرية وما تحفل به من صراعات ومؤامرات ومعارك، وهو ما نجده فى روايتيه الملحميتين: «الرجل الذى فقد ظله» و«زينب والعرش». فى هاتين الروايتين، يقتحم الكاتب الكبير كواليس وخبايا الصحافة المصرية، ويقدم رؤية شاملة عميقة عن المجتمع المصرى، سياسياً واقتصادياً وثقافياً وفنياً، خلال الفترة الممتدة من أوائل ثلاثينات القرن العشرين إلى منتصف الخمسينات فى الرواية الأولى، وإلى ما بعد هزيمة يونيه 1967 فى الرواية الثانية.

شخصيات ذات جذور واقعية، ما يتيح لبعض القراء أن يشيروا إلى أسماء بعينها. مثل هذا المنهج السطحى المدمر فى التفاعل مع النص الأدبى لا جدوى منه ولا خير فيه، ذلك أن الرواية ليست لغزاً بوليسياً، ومعالجة الروائى تتجاوز الحالات الفردية إلى آفاق إنسانية أرحب، لكن التذاكى وادعاء البراعة من سمات شريحة مؤثرة عالية الصوت فى حياتنا الثقافية، تسهم بضجيجها فى تحويل المسار من الجاد الأصيل إلى الهزلى التافه. مع هؤلاء يهبط الإبداع إلى هاوية بلا قرار، وهل من كارثة تفوق التعامل مع الرواية كأنها الكلمات المتقاطعة؟

فى عالمه الثرى الخصيب، يستوعب غانم كل مفردات الحياة المصرية ونجد فى رواياته وقصصه القصيرة شخوصاً ينتمون إلى المهن والطبقات كافة: الصحفى والأديب والشاعر والسياسى والمهندس والطبيب والقاضى والمحامى والموظف والعامل والفلاح ورجل الأعمال والخادم والممثل وربة البيت والعاهرة والقواد وضابط الشرطة والمدرس والكنّاس وسائق الحنطور والميكانيكى والمؤرخ وأستاذ الجامعة ورجل الدين والإرهابى. تتنوع الانتماءات الفكرية والسياسية والطبقية لهؤلاء، كما تختلف عقائدهم الدينية وأعمارهم واهتماماتهم، فتكون المحصلة النهائية نسيجاً متكاملاً متجانساً لا يختلف موضوعياً عن جوهر الحياة الإنسانية التى تحفل بالتناقضات والمفارقات وتستوعبها بلا نشاز.

لعل فتحى غانم هو أهم المبدعين المصريين فى تقديمه للشخصيات غير المصرية، فهو ينشغل بالجاليات الأجنبية فى مصر قبل يوليو 1952، مثلما يتعرض للأجانب فى بلدانهم، وعبر تفاعل هؤلاء مع الواقع المصرى، أو من ينوبون عنه، تتشكل رؤية عميقة متوازنة عن الوجود الإنسانى العابر للهويات الوطنية والدينية، بعيداً عن التشنج والتعصب والإسراف الانفعالى غير المحسوب.

كان فتحى غانم صحفياً مرموقاً ممن تقلدوا مناصب قيادية شتى فى «وكالة أنباء الشرق الأوسط» و«دار التحرير» و«روز اليوسف»، وكان سياسياً مهماً فى الاتحاد الاشتراكى والتنظيم الطليعي، وتبقى مكانته الأدبية هى الأعظم والأبقى.

فى هدوء يعيش الشطرنجى البارع المسلح بالحكمة والانتصار للإنسان، وفى هدوء مماثل يرحل، لكنه باقٍ بيننا لا يغيب.