رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

عطر الأحباب

 

 

عشاق كوكب الشرق أم كلثوم، فى كل زمان ومكان، يجدون فى الأغانى العاطفية الثلاث التى تغنيها من كلمات الشاعر الكبير عبدالفتاح مصطفى تفردا وخصوصية، والضلع الثالث فى الإبداع المحلق هو الموسيقار العبقرى رياض السنباطي.

فى «لسه فاكر»، 1960، و«ليلى ونهاري»، 1962، و«اقولك إيه عن الشوق»، 1963، يتوهج الشاعر القدير ويشكل عالما غير مسبوق، يمتزج فيه الحب البشرى بالتصوف، وسعادة التحقق بشجن الفقد، ورقة الغضب مع رضا الزاهدين.

فى حضرة كلمات عبدالفتاح يهيمن الشعور بأن الحياة جميلة محتملة، ولا بد من التشبث بها. لا تخلو بطبيعة الحال من الشوائب والعكارات والمنغصات، لكن الحب يمنح المذاق المنعش والمتعة واللذة، ويدفعنا إلى تحمل القسوة والاعتزاز بإنسانيتنا فى مواجهة طوفان الابتذال.

عبدالفتاح مصطفى (1924-1984) من نوابغ وعظماء شعراء الأغنية المصرية فى النصف الثانى من القرن العشرين، ومثقف موسوعى يعى أمانة ومسئولية وقداسة الكلمة. يبدع فى صمت وتواضع شأن كل موهوب متمكن لا متسع فى عالمه للضجيج والغرور والغطرسة، فأين نحن الآن من كنوزنا الثمينة التى يتم إهدارها عبر بوابة الإهمال المتعمد والإعلاء من شأن التافهين الذين لا يجيدون القراءة والكتابة!

ثومة والسنباطى وعبدالفتاح، ومئات غيرهم فى شتى الساحات، هم قوة مصر الناعمة التى كنا نباهى بها فى عقود سابقة، قبل أن يدور الزمن دورته القاسية الغادرة فنسقط فى مستنقع الأدعياء المدعين. كلماتهم القبيحة المنفرة تشبه الحجارة، وما يسعون إلى ترسيخه من قيم مريضة مشوهة يفضى بالضرورة إلى هاوية لا قرار لها.

كيف لمصر الغنية بمفكريها وعلمائها ومبدعيها وفنانيها أن تعانى كل هذا الفقر والإملاق؟!. كيف لأمة تحترف إنجاب العظماء أن يشكل ذائقتها تافهون سطحيون لا زاد لهم إلا الجهل ومبايعة كل ما هو ردىء ماسخ؟!

الشعر الغنائى جانب من العطاء الإبداعى السخى لعبدالفتاح مصطفى، فهو أيضا صاحب الروائع الإذاعية التى لا تُنسى، ومنها على سبيل المثال :«عوف الأصيل»، «مرزوق»، «شمس الأصيل»، «الشاطر حسن»، «عذراء الربيع»، وغير ذلك كثير.

السؤال الآن: كيف ومتى نعيد لمصر وجهها الثقافى المضيء المرموق؟ لا سبيل أمامنا إلا رد الاعتبار لكتائب المحترمين الجادين الذين يتعرضون للإهمال والتهميش، انتصارا لمن يخربون العقول ويفسدون الوجدان بالركيك المسف الذى لا يصدر إلا عن مدمنى المخدرات ومرضى النفوس والأرواح.

عندما تضيق الدنيا بالمأزومين التعساء من البشر، وكثيرا ما تضيق، لا بد أن يبحثوا عن السلوى والعزاء فى كلمات عبدالفتاح التى تقود من يسمعها إلى الاغتسال فى بحر من الصفاء والضياء:

«هواك نسى الزمان طبعه

وخد منه الأمان لينا

ودارى عننا دمعه

وخلاه ما درى بينا

ونور للأمل شمعة

وطمن بيه ليالينا»

من الذى لا تغمره السكينة وهو يستمع إلى كلمات راقية كهذه؟، ثم يصل إلى محطة التحليق فى سموات الرضا النفسى والتعايش والإيمان بسحر الحب عندما يواصل الاستماع إلى ما يقوله الشاعر الفذ:

«وعودك فى الخيال غالية عليا

وأجمل من حقيقة بين إيديا

وأصدق كل كلمة قلتهالي

وأكدب فى هواك ظنى وعينيا

يا ريت فيه كلمة أوصف بيها حبك

وأقولهالك ما بين قلبى وقلبك

ما يقدرش الكلام يوصف غرامي

ولا أشواقى فى بعدك وقربك»

إننا فى حضرة واحد من عتاة المتصوفين، ينتصر لجمال وجلال وسمو الإنسان.

أستاذ عبدالفتاح.. دمت لنا.