عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ما بين الحين والآخر تظهر على الساحة أفكار يتغنى بها العالم الغربى على أنها النموذج الأمثل لإنسانيته رغم أن تلك الأفكار هى جزء من موروث البشرية، وهذا ما تبنت فكرته مجموعة من 83 من أغنى رجال العالم يطلقون على أنفسهم اسم مليونيرات من أجل الإنسانية، حيث طالبوا الحكومات بزيادة الضرائب عليهم للمساعدة فى التعامل مع التداعيات الاقتصادية لوباء COVID-19، بحيث يصبح هناك ما يسمى بضريبة الثروة، أى فرض الضرائب على الأصول التى يمتلكها الأغنياء بالفعل، بدلاً من أرباحهم.

 بالطبع اعتبر الغرب ضرائب الثروة جريئة ومبتكرة، إلا أن هذا المفهوم قديم قدم النقود نفسها؛ وطبق من 600 قبل الميلاد، الى جانب أن ضريبة الثروة فى الإسلام هى الزكاة، وهو واجب دينى سنوى، تعمل كضريبة ثروة بنسبة 2.5 فى المائة على الأصول السائلة، الزكاة جزء أساسى من العدالة الاقتصادية. وفى بعض فترات التاريخ الإسلامى، سمح النظام بغياب أشكال أخرى من الضرائب، تلك الضريبة أو الزكاة لعبت دورا فى القضاء على الفقر، ففى عهد الخليفة عمر بن عبدالعزيز، كان جمع الزكاة ناجحًا لدرجة أن الحكام فى بعض المناطق كافحوا للعثور على المستفيدين المؤهلين، ما أدى إلى فائض من أموال الزكاة.

ولا يزال نموذج الزكاة مطبقاً فى شكل غير حكومى من خلال منظمات مثل مؤسسة الزكاة الوطنية فى المملكة المتحدة ومؤسسة الزكاة الأمريكية، التى تجمع نحو 6 ملايين دولار و10 ملايين دولار من المسلمين البريطانيين والأمريكيين، على التوالى، كل عام لتقديمها إلى الفقراء.

وبالتالى إذا أخذنا من الزكاة الفكرة وطبقناها، يمكن للاقتصادات الحديثة أن تصوغ ضرائب الثروة التى يستفيد منها الأغنى والأفقر؛ بحيث لا تستهدف ضريبة الثروة جميع الأصول، ولكن يجب أن تؤثر فقط على الأصول السائلة التى تتجاوز حدًا معينًا. وهذا يعنى أن الأثرياء لا يعاقبون على أصولهم فى حد ذاتها، بل يتم تشجيعهم على تداول الثروة المحاصرة. فى المقابل سيكون لدى الأثرياء الحافز لشراء السلع والخدمات والأصول غير السائلة بدلاً من إغراق الأموال فى الحسابات المصرفية. ومن شأن ضريبة الثروة هذه أن تعاقب بشكل فعال الذين يكرهون المخاطرة وتكافئ المغامرين الذين هم على استعداد لضخ أموالهم فى الاقتصاد الحقيقى لصالح الجميع.

ووفقًا لتقديرات كتاب حقائق العالم لوكالة المخابرات المركزية، هناك أكثر من 80 تريليون دولار من الأموال الواسعة (أى النقد أو الأصول الشبيهة بالسيولة النقدية) فى العالم. الكثير من ذلك غير خاضع للضريبة فعلياً. إذا كانت هناك ضريبة عالمية على 2 فى المائة من هذه الثروة، فستجمع 1.6 تريليون دولار سنويًا.

وفقًا للمعهد الدولى لبحوث السياسات الغذائية، ففى الولايات المتحدة وحدها، كان هناك نحو 18 تريليون دولار من الأموال العامة فى عام 2018، تم الاحتفاظ بنحو 70 بالمائة منها من قبل أغنى 10 فى المائة من الأمريكيين. إذا افترضنا أن الأغنياء فقط قد تم فرض ضرائب عليهم بنسبة 2 فى المائة، فإن ذلك يمكن أن يصل صافى الحكومة إلى 250 مليار دولار.من المؤكد أن الفائدة الحقيقية لضريبة الثروة المصاغة بهذه الطريقة ليست فى الأموال الإضافية التى قد تجمعها للحكومات ولكن فى الأموال التى يتم توزيعها فى الاقتصاد. ومن شأن هذا النشاط الاقتصادى المتزايد أن يخلق بدوره المزيد من الفرص للنشاط الإنتاجى والقيِّم الذى من شأنه أن يعزز الإيرادات الضريبية وخلق فرص العمل  ويساعد فى التخفيف من حدة الفقر.

يمكن أن تكون الفوائد التى تعود على المجتمع أكثر أهمية إذا قامت الحكومات بتحفيز الأثرياء على القيام باستثماراتهم فى المجالات التى يمكن أن تحقق فيها هذه الأموال أكبر قدر من التغيير. ويمكن أن يذهب المزيد من رأس المال إلى مجالات عالية التأثير مثل التكنولوجيا الحيوية والبنية التحتية وتغير المناخ وتكنولوجيا التعليم - وكلها ستكون أكثر أهمية مع تعافى العالم من جائحة COVID-19.

والفوائد التى تعود على الأثرياء من هذا النوع من ضريبة الثروة يمكن أن تجعل النظام مستدامًا. يمكن أن يدفع أولئك الذين سيتعين عليهم دفعها لإيجاد استثمار مربح بشكل معتدل لأموالهم، ما يجعلهم فائزين صافين مقارنة بالوضع الراهن. قد تكون الاستثمارات مثل السندات الخضراء، التى توفر عائدًا ثابتًا للاستثمارات فى مشاريع الاقتصاد الأخضر، أو الصكوك، التى توفر استثمارًا متوافقًا مع الشريعة الإسلامية فى البنية التحتية الأساسية، ويكفى أن أقول لك إن أقل من 7 مليارات دولار سنويًا من تلك الضرائب قادرة على القضاء على الجوع فى العالم.