رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

كلمة

سألنى صديق: «لماذا القاهرة بالذات؟ لماذا القاهرة دون غيرها؟»، سأجيبك هنا باختصار: عليك أن تعرف صديقى أن زيارتى للقاهرة لا أصنفها ضمن الرحلات السياحية ولا أحب ذلك، فرحلتى إليها هى روحية وعاطفية بالأساس، هى رحلة بحث عن جزء من شخصيتى المصرية الكامنة بدواخلى، رحلة تلاقح وتماهٍ مع الروح المصرية الخالصة، لا أنظر إلى القاهرة كمدينة، بل أومن بها كفكر، «فكر قاهرى» له أبجديات ومناهج وآليات ومبادئ عليك أن تتبناها وتتشبع بها، وستجد نفسك فى النهاية ليس عاشقاً لها فحسب، بل ستكون مُنظّراً لفكرها ومدافعاً عنه حد التطرف، القاهرة أكبر من أن تُصنف كمدينة، حتى ذاك الذى يقطن بها ويعيش داخلها لا يتعامل معها كمجموعة من البنايات يقطعها نهر، بل كفكر يحمله معه أينما حل وارتحل، ومهما زار من البلدان والمدن تبقى القاهرة بالنسبة له تلك المدرسة التى لقّنته معنى الحياة، وجعلته يتذوق طعمها ويتعايش مع متناقضاتها، القاهرة نافذة تطل منها على مصر كلها، وإذا أردت أن تفهم المجتمع المصرى، فعليك أن تمر أولاً عبر بوابة القاهرة، فحتى لو فكرتَ فى زيارتها زيارة سياحية فستجد حتماً روح سعد زغلول تحوم حولك، وقلم نجيب محفوظ يسطر ذكرياتك، وأم كلثوم تتغنى بليلتك، وصلاح جاهين يسخر من دهشتك، وأحمد شوقى يُلقى أشعاره بين يديك، ويوسف إدريس يشاركك قهوتك.. باختصار ستنسى زمانك لتعانق الزمن القاهرى الجميل الممتلئ جمالاً وفناً وثقافة وأدباً.

 هذا الكلام موجّه للشخص المصرى الذى قال لى إننى أمجّد فى «سندويتش الفول المعفن الذى يباع على عربية الفول المعفنة»، حسب وصفه، أقول له الغاية يا أخى من الوقوف على «عربية الفول» ليس أكل الفول، فـ«العربية» فى حد ذاتها هى بمثابة محطة شعبية مصغرة تجعلك تلتقى بأناس مصر الشعبيين الطيبين، تتواصل معهم بالكلام أو بالنظرات، تقف بجانبهم وأنت مستمتع بأكلة الفول لقمة، لقمة، جربتُ أكل الفول المدمس فى أرقى مطاعم القاهرة ودبى أيضاً، لكن يبقى أكله على «العربية» ألذ وأطيب وأجمل من الجلوس فى أى مطعم مهما كانت شياكته، هل تعرف لماذا؟ لأنك هنا على هذه «العربية» تعانقك ابتسامة الناس البسطاء، تلك الابتسامة الصادقة بدلاً من ابتسامات المطاعم الملونة المصطعنة المزيفة الخادعة، هنا على هذه «العربية» ستشعر حتماً بالانتماء إلى قلوب تحضنك وخصوصاً إذا شعرتْ بك غريباً، هنا على هذه «العربية» ستشعر أيضاً بالانتماء إلى كل تلك الأيادى الممدودة إلى الصحون، تلك الموشومة بروح الكدّ والكدح والسعى والعناء والإخلاص من أجل مصر ولا شىء غير مصر، هنا على هذه «العربية» تنتفى حدود الطبقية، فلا فرق بين غنى وفقير، فالكل يتذوق اللقمة نفسها ويشرب من الماء نفسه ويتنفس الهواء نفسه...

 أما عن الفول المدمس، فهو أكلة ليست «معفنة»، كما وصفتها، أبداً، فهى أكلة تعبّر عن معدن المواطن المصرى الأصيل، فطعم الفول ونعومته يحيلانك إلى الأرض.. إلى الطين.. إلى الأم، وأنت تأكله برغيف العيش البلدى تشعر بأنك أصبحت مصرياً، وليس أى مصرى، بل ذاك المصرى الوفى لأرضه ووطنه، ذاك المصرى الطيب المسالم الجبار العنيد فى ذات الوقت، الفول المدمس ليس أكلة وكفى، بل هو رمز للمصرى الحقيقى، ابن البلد بجد، الجدع، ذاك الذى لا يعرف معنى الخيانة، أنصحك بأن تجرب يوماً أكل الفول على «العربية»، فهناك حتماً ستتعلم معنى الوفاء والأمانة وحب الناس والأرض والوطن.

< هذا="" كلام="" الأديب="" المغربى="" الأستاذ="" فؤاد="" زويريق="" العاشق="" لمصر="" وترابها="" ردًا="" على="" أحد="" المصريين="" الذى="" تهكم="" على="" مصر="" وشعبها،="" لقد="" أوجزت="" وقلت="" ما="" أريد="" أن="" أقوله..="" عشت="" يا="" فؤاد،="" ومصر="" تسعد="" بك="" ونفخر="" نحن="" بك="" أيضًا="" بأنك="" من="" عشاق="">