رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حكاية وطن

 

 

 

قضيت 19 عامًا بين أروقة مجلس الشعب أبحث عن الـ20 نائبًا الذين يوجهون المجلس للانتقال إلى جدول الأعمال بعد مناقشة أى استجواب للحكومة مما يعنى سقوط الاستجواب، وفى السنة الـ20 اكتشفت أنهم شخصيات وهمية، وأن الورقة التى يتلو منها رئيس الجلسة أسماءهم فارغة، فأطلقت عليهم «اللهو الخفى»، وسقط الاستجواب من نظرى كآلية رقابية مهمة يستخدمها النواب فى توجيه الاتهام إلى رئيس الوزراء أو أى وزير فى الحكومة بناء على مستندات رسمية يستند إليها النائب تكشف نواحى إهدار المال العام سواء باستيلاء الوزير المُستجوَب «بضم الميم وفتح الواو»، أو بتسهيل الاستيلاء عليه أو فشله فى القيام بمهام وظيفته، أو أى اتهامات أخرى تثبت عدم التزامه بأحكام الدستور والقانون فى إدارة دولاب العمل المتعلقة باختصاصاته وبالتكليفات التى على أساسها تم اختياره للمنصب.

الاستجواب فى ظل الأغلبية البرلمانية الطاغية المنتقاة بطريقة أقرب إلى توزيع الإرث أو التقسيمة كان محكوماً عليها بالفشل حتى لو تتضمن أدلة دامغة على تورط من قُدم إليه الاستجواب فى نهب الثروات وتوزيعها على الحاشية، وكان مقدم الاستجواب يكتفى فى نهاية عرضه لاستجوابه بالقول اللهم قد بلغت اللهم فاشهد، وكان غالبًا لا يطلب المستجوبون اللجوء إلى تقديم طلب بسحب الثقة من الوزير لأن هذا الطلب كان يتطلب نصابًا معينًا لم يكن متاحًا الحصول عليه.

اللائحة الداخلية تنحاز إلى الانتقال إلى جدول الأعمال إذا تم تقديم طلب بذلك وينتهى الأمر من نواب متطوعين غالبًا يسجل أسماءهم زعيم الأغلبية ويرسلهم إلى المنصة، وكانت المنصة أحيانًا تتصرف من نفسها بأن هناك طلبًا بالانتقال لجدول الأعمال، كما سمحت الأغلبية لنوابها بالتدخل فى الاستجوابات عن طريق تقديم بيانات عاجلة إلى الوزير الموجه إليه الاستجواب، وكانت هذه البيانات تحمل مساندة للوزير، والتشكيك فى الاتهامات الموجهة إليه.

فى كل دور انعقاد، كان مجلس الشعب يناقش حوالى 150 استجوابًا، وكانت الاستجوابات تقدَم فى أول يوم من بدء الدورة البرلمانية إلى الأمانة العامة، وتدرج للمناقشة حسب أولوية التقديم. وفى هذا اليوم تبدو الطرقة المؤدية إلى مكتب الأمين العام كخلية نحل من النواب الذين يحملون الاستجوابات فى حقائبهم لتسليمها إلى الأمانة العامة، ولجأ المجلس إلى تجميع الاستجوابات التى تتناول موضوعًا واحداً أو الموجهة إلى وزير واحد، لمناقشتها فى جلسة واحدة.

ورغم أن الدستور أعطى الحق لكل عضو من أعضاء مجلس الشعب فى تقديم استجواب لرئيس مجلس الوزراء، أو أحد نوابه، أو الوزراء ونوابهم لمحاسبتهم عن الشئون التى تدخل فى اختصاصاتهم، فإن نواب حزب الأغلبية كان محظورًا عليهم تقديم استجوابات للحكومة تحت دعوى الالتزام الحزبى، وهو أن حزب الحكومة لا يحاسب حكومته! وتحول نواب الأغلبية إلى مدافعين عن الحكومة فى إطار خطة محكمة لإسقاط الاستجواب حتى لو كانوا متأكدين من صحة الاتهامات التى وردت فيه، فهم كانوا يقومون بدور عبدالمأمور الذى يحصل على التعليمات عندما يقول اذبح يا زكى قدرة يذبح، توقف يا زكى يرفعون السكين ويأخذون نفساً عميقاً فى مقاعدهم.

وعندما تقدم أحد النواب بطلب لمعرفة النواب العشرين الذين يرجحون الانتقال لجدول الأعمال كان الرد تعالى لنقول لك، ولم يحدث!

زكى قدرة كان يذبح نواب المعارضة والمستقلين عندما ترد فى شأنهم طلبات بطلان عضوية أو رفع حصانة، وكان «زكى» يكيل بمكيالين يتحول إلى سيد قراره لإنقاذ نواب الحكومة، ويتحول إلى محايد عندما تكون هناك تعليمات بخروج نواب المعارضة.

فى واقعة سجلتها تقارير لجنة برلمانية ومضابط الجلسة فقد كان أمام المجلس تقرير من المحكمة لبطلان عضوية نائبين لدائرة واحدة أحدهما من حزب الأغلبية والثانى معارض وتضمن التقرير بطلان عضويتهما، وحتى تنقذ الأغلبية نائبها طعنت الجهة الإدارية على تقرير المحكمة، وتم إنقاذ النائب المؤيد والمعارض، واعتقد النائب المعارض أن الموضوع انتهى، وكان خطيبًا لأحد المساجد، وفى يوم الجمعة ألقى خطبة هاجم فيها أحد الوزراء، وفى اليوم التالى تنازلت الحكومة عن الطعن وطلبت تنفيذ قرار بطلان عضوية النائبين، وخرج الاثنان، وسمح لهما بخوض الانتخابات التكميلية وفاز نائب حزب الأغلبية وأسقط النائب المعارض.

نجاح مجلس النواب فى القيام بدوره لا يقاس بعدد الاستجوابات التى يناقشها، كما أن قيام النواب بدورهم لا يتوقف على كم الاستجوابات التى يتقدمون بها، ينجح البرلمان إذا نجح فى أداء دوره على أنه السلطة التشريعية التى تمارس التشريع والرقابة وينجح النواب إذا تحملوا جميعًا بدون انحياز أمانة المسئولية التى وضعها المواطنون فى أعناقهم بأن يكونوا أصواتهم تحت القبة، يؤدى البرلمان دوره إذا أقصى الوزير الفاشل دون اعتبار لأغلبية أو أقلية وإذا وضع التشريع المناسب للقضية المناسبة، وإذا نجح فى إقامة التوازن بين متطلبات الوطن واحتياجات المواطن، وإذا أثبت أنه صوت الشعب صاحب القرار فى تشكيله.

هذه ليست دعوة للتخلى عن تقديم الاستجوابات ومناقشتها ولكن طريقة زمان لا بد أن تتغير لأن رائحتها ما زالت موجودة فى لائحة مجلس النواب!!