رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تأملات

من بين العبارات البليغة التى أعجبتنى ورأيتها تعبر أفضل تعبير عن واقع الحال فى عالمنا العربى، تلك التى ذكرها السباك الذى قدم إلى ليصلح لى دورة المياه حين راح يعبر عن دهشته من حال التطبيع العربى مع إسرائيل قائلًا: «ماتقولشى ماسورة وانفجرت».

رغم سوقية التشبيه، وإن كان يجد منطقيته فى كونه ابن بيئة عمل صاحبه، مع كل التقدير له، فإنه فى تصورى ربما يرصد بدقة متناهية تطور الحال على صعيد «سباق التطبيع»، حسب عنوان صحيفة القدس العربى أمس الأول، مع الدولة العبرية.

لا أتصور أن أى مواطن عربى لديه أدنى قدر من الاهتمام بمتابعة الأخبار لا تنتابه تلك الحالة من الدهشة التى تجعله يفغر فاهه وربما لا يستطيع أن يغلقه من هول ما يحدث بشكل ربما يتجاوز توقعات أكثر السيناريوهات العربية تشاؤمًا لمستقبل وضع إسرائيل فى المنطقة.

وإذا كان يمكن التأريخ للتطبيع بعقد التسعينات من القرن الماضى، حيث شهد بداياته الأولى على النحو الذى تناولناه فى مقال سابق تضمن عرضًا لكتاب كان صاحب هذه السطور أعده فى حينها- ١٩٩٦- فإن ما نشهده حاليًا فى عشرينات القرن الحادى والعشرين يمكن اعتباره المرحلة الثانية للتطبيع التى تتسم بالعديد من الملامح التى تجعلها بالغة الاختلاف عن سابقتها.

فقد كان التطبيع سابقًا يتم على استحياء وخفية وكأن من يقوم به «عمل عاملة» بتعبيرنا العامى وكانت كل خطوة تطبيع تقابل برفض شعبى عربى عارم و«نظامي» من قبل باقى الأنظمة غير المنخرطة فى التطبيع وقد كانت هى الغالبة. أما تطبيع هذه الأيام فيفتقد الرفض الشعبى ليس لأنه غير قائم وإنما لأن المناخ- مناخ الرفض- غير متاح.. أما على مستوى الأنظمة فقد سكتت كلها باعتبار أنها كلها أصبحت- بالتعبير العامى أيضاً.. «فى الهوا سوا»!!! وأصبح النظام الذى يقدم على التطبيع يشعر بالطمأنينة ويتعامل بمنطق «من كان منكم غير مطبع فليلمني».

ليس ذلك فقط بل إنك قد يصل بك الحال شخصيًا حينما تستمع جيدًا لمسوغات التطبيع لأن تعض أصابع الندم على تأخر هذا التطبيع مع اليهود باعتبار أن هذا التأخير تسبب فى عدم تقدمنا لامتلاك إسرائيل كل مقومات التقدم بدءًا من مواجهة كورونا وليس انتهاء بالتطبيع الرياضى بشكل يصح معه القول إن «زيت إسرائيل أصبح فى دقيقنا»!

وتبقى مصر الاستثناء على هذه القاعدة، دعك طبعًا من حديث البعض عن أنها أول المطبعين فقد كان ذلك فى سياق معين وهذا ليس تبريرًا وإنما محاولة للتفسير، فما أن قام الممثل محمد رمضان بمصافحته المشهورة حتى قامت عليه الدنيا ولم تقعد، ربما يكون ذلك باعتبار أن رمضان مقدور عليه ويمكن التشهير به مجانًا دون تحمل أية ضريبة، ربما لأنه مجرد شخص لا يملك آليات الرد بقسوة والانتقام من منتقديه، ربما لأنه لا يملك منصات إعلامية عابرة وفوق الدول تقوم بمهمة غسيل أدمغة مخالفيه، ولذلك فإنه فى النهاية ولكونه أصبح رمزًا للتطبيع تم إلقاء الحجارة عليه كما تلقى على رمز الشيطان فى الجمرات خلال موسم الحج.

بعيدًا عن هذه الصورة وهذا الشكل من الكتابة التى تحاول أن تظهر وكأن كلماتها تضحك فيما هى تقطر دمًا من داخلها، فإن المنحى الذى يتخذه التطبيع الحالي- لو سمى تطبيعًا ولم يتم نحت مسمى جديد له يتوافق مع تطور طبيعته- لا يمكن اعتباره سوى كابوس، مواجهته لا تتم سوى بالاستيقاظ من السبات العميق الذى نحن عليه، وهو أمر كما نرى ليس فى يد المواطن العربى الذى أصبح منزوع الدسم فى عصر من المفترض فيه أن يبقى ذا أنياب وشراسة، وإنما فى يد الحكام. ورغم أن هذه الجملة الأخيرة بالذات قد تدفعنا لمزيد من اليأس فإن باب الأمل مفتوحًا ما كانت هناك حياة!