عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

رؤى

 

[email protected]

لصديق عاشرته سنوات طويلة مقولة محفورة فى ذهنى، حاولت أن أنساها، أمحوها من ذاكرتى وللأسف فشلت، سمعتها منه بعد أن تقاعد بعدة أشهر، هو يكبرنى بعدة سنوات، ويحمل فى عقله وقلبه حكمة تفوق الكثير مما قرأته وسمعته، قال: بعد 34 سنة خدمة طلعت بألف جنيه معاش، وبعد 60 سنة لم يتبق من حياتى ومن كل هذه السنوات سوى خمس أو ست حكايات هى كل تاريخى الوظيفى والإنسانى، أستدعيها وأحكيها فى القعدات بصياغات مختلفة، ربما أفتعل حوارا لكى أحكيها، وفى معظم المرات التى يتاح لى فيها الحكى أتجمل وأجمل نفسى، أصطنع فى بعضها بطولة وإنسانية وطيبة وذكاء، وأسخر فى بعضها من زملاء وقيادات وأشخاص وأصدقاء، أتذكر بعضها عندما يهاتفنى أحد الزملاء، وأذكر بعضها عندما أمجد تاريخى أمام أولادى وأحفادى، لكن عندما أنفرد بنفسى سوف أعترف أننى لم أكن موجودا، وأن آلافا وملايين من المواطنين كانوا مثلى، جاءوا وتقاعدوا ولم يتبق من تاريخهم سوى بعض حكايات ليست لها قيمة ولا لون ولا ذكر.

الزمن يأكل كل شىء حتى الذاكرة، يترك بصماته على أشكالنا الخارجية، وقد ينحتها فى أجسادنا، فقد نفد رصيدنا من القوة، ننحنى، ونشعر بآلام فى المفاصل، ويضعف نظرنا، ويثقل سمعنا، ونتعثر عند القيام من مقاعدنا، ونمسك فى الدرابزين عند نزول أو صعود السلم، ونخشى عبور الطريق، حتى الرصيف ننزل من فوقه بحذر، وقد يصاب بعضنا بأمراض مزمنة ومؤلمة وخطيرة.

نجلس ونجتر بعض الحكايات، أحداث بعضها يعود إلى الطفولة أو الصبا أو فترة الجامعة، أو خلال حياتنا العملية، قد تكون بعض تفاصيلها باهتة، مشوشة، نستدعيها فى مكانها وأصواتها ومحيطها، بعضنا يعيش فى حكاياته، وبعضنا يصطنع حكايات، وبعضنا يتخيل نفسه فى حكايات الغير، بعد كل هذه السنوات لا تتذكر من تاريخك سوى هذه الحكايات، فى مجملها بلا قيمة، ولن تصمد مع الأيام، حكايات سوف تدفن معنا، وقد تدفن فى ذاكرتنا قبل موتنا لتفاهتها، لن يتذكرها أحد بعد وفاتنا، حتى نحن عندما يموت كل من كانوا يعرفوننا سنختفى كأننا لم نكن أبدا.

صديقى تجاوز الـ68 سنة، يشتكى من المفاصل، وضعف النظر والسمع، وارتفاع الأسعار، يشعر بالملل من تكرار الأحداث والحكايات، حتى الجرائم أقسم لى أنها تتكرر، يسخر من كل شىء، ويضحك على أى شىء، يسمع حكايات وأفكارا وحوارات بلغة لم يعتدها، لم يعد يمتلك ما يربطه بالأجيال الأخرى، يجلس كأنه من أجيال انتهى زمنها، وأنه حان وقت رحيله.