رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تأملات

لست من دعاة الحرب، كما أننى لست من الصقور، بل يمكنك أن تعتبرنى من خلال نظرة عامة لمجمل تصوراتى وآرائى العامة والخاصة من الحمائم. هذا بيان للقراء لكى لا يتسرعوا فى الحكم على ما يلى من حديث. فقد انبرت الأقلام وامتلأت الصحف بردود فعل عديدة على تصريحات الرئيس ترامب الأسبوع الماضى بخصوص أزمة سد النهضة والتى رأيت فيها على المستوى الشخصى أفضل تعبير عن موقف مصر بعيدا عن الطابع الدبلوماسى الذى يسم موقفنا وعلى أساس ما تصورته عفوية – إلى جانب أشياء أخرى – من قبل الرئيس ترامب. (راجع مقالى الأسبوع الفائت).

وقد تركز التناول الأساسى لتلك التصريحات من قبل من تعرض لها على اعتبارها نوعا من التحريض لمصر على القيام بعمل عسكري، مع التحذير من الانسياق وراء ذلك التحريض لما قد يترتب عليه من نتائج وخيمة. وانطلق هؤلاء مما يمكن وصفه بإطار مزيف سجنوا فيه أنفسهم يتمثل فى الواقعة العراقية، الخاصة بلقاء السفيرة إبريل جلاسبى مع صدام حسين وما جرى خلاله مما تلقاه الرئيس العراقى آنذاك كضوء أخضر لغزو الكويت ثم وقوف الولايات المتحدة فى مواجهة ذلك التطور بشكل انتهى بالإجهاز على صدام وحكمه، وهو إطار من وجهة نظرى يمثل أسطورة رغم تضمنها قدرًا من المنطق، إلا أنها فى الوقت ذاته تفتقد بعض مقومات العقلانية لعدة أسباب.

فمن ناحية فإن تأمل الموقفين، جلاسبى مع صدام، وترامب مع مصر، يشير إلى اختلاف كافة السياقات السياسية والموضوعية على نحو ينفى وجود فكرة التشابه بينهما بما يترتب عليه من نتائج للأخذ بمثل هذه المقارنة. فلقد كان موقف صدام فيما يتعلق بالكويت يتعلق بمطامع فى نفط الكويت مما ليس له حق فيه، فيما أن موقف مصر لا ينطلق من مطامع وإنما من حق، إن لم يكن على العكس فهى تواجه مطامع فى حق لها، وبذلك تحتل مصر، كطرف تسود محاولة للافتئات على حقه، مكان الكويت فى الأزمة مع صدام وليس موقع صدام ذاته، ما يعنى أنها فى وضع الدفاع عن النفس وليس الهجوم. وشتان ما بين المبادرة بالدفاع عن الحق وما بين المبادرة بالهجوم من أجل الاستيلاء على حق!

من ناحية ثانية فإنه إذا كانت فكرة التحريض واردة مع صدام وانسياقه وراءها واردًا، فإن ذلك غير وارد مع القيادة المصرية، فإذا كان الأول مغامرا وخاض فترة حكمه على هذا النحو حيث اندفع فى حرب مع إيران استمرت ثمانى سنوات (1980 – 1988 ) بتحريض من جيرانه فى الخليج العربى ما يعنى أن انسياقه وراء جلاسبى ليس السابقة الأولى، فإن أداء النظام المصرى – وهذا تقييم موضوعى ليس هدفه المدح أو الذم– خلال حكم الرئيس السيسى يتسم بالحذر ولا ينطلق فى سياساته من الإقدام على مغامرات خارجية رغم ما واجهه من إغراءات – الحرب فى اليمن ضد الحوثيين نموذجا. والاستثناء الوحيد من هذه القاعدة خلال السنوات الست الماضية هو الوضع فى ليبيا وقد استخدم فيه النظام المصرى لغة القوة أو الردع بمعنى أصح بشكل حقق هدفه دون استخدامها فعليا. إلى جانب ذلك فمن السذاجة تصور هرولة النظام المصرى إلى الخيار العسكرى، بافتراض انسياقه وراء تحريض ترامب فى الوقت الذى لم يتم فيه تبين الخيط الأبيض من الأسود بشأن بقائه – ترامب–فى الرئاسة ونجاحه فى الانتخابات.

من ناحية ثالثة فإن صدام تعامل فى أزمته مع الكويت من منطق فتوة المنطقة دون منح المجال للمفاوضات فكانت مفاجأة قيامه بعملية الغزو صبيحة 2 أغسطس 1990، وهو ما يعنى أنه لم يقدم مهلة لنجاح المساعى الدبلوماسية التى تمكنه من الحصول على حقه، بافتراض أن له الحق فى المطالبة بمثل هذا الحق، على خلاف الموقف المصرى الذى خاض صاحبه مفاوضات تكاد أن تقترب من العقد الكامل دون بوادر حل للأزمة. وإذا كانت الإمبريالية أعلى مراحل الاستعمار كما ذهب لينين، فإن الحرب تمثل أعلى أو أقصى أدوات الدبلوماسية كما استقرت الأدبيات السياسية. بمعنى آخر فإن الحرب أو العمل العسكرى أيا كان شكلها أو شكله، تمثل أداة تأتى فى النهاية وبعد أن يكون صانع القرار قد استنفد مساعيه السلمية ولذلك ربما يكون من المحتم عليه اللجوء إليها فى مرحلة ما من مرحلة إدارة صراعه مع الخصم، وهو أمر يبقى قائما فى أزمة سد النهضة سواء أشار إليه ترامب بفجاجة أم لم يشر.

من الغريب واللافت للنظر هنا أن مصر لم تطرح هذا الخيار فى أى مرحلة من مراحل الأزمة، ليس ذلك فقط بل إن الرئيس السيسى نفسه خرج فى يونيو الماضى مناشدا وسائل الإعلام عدم الخوض فى مثل هذا الحديث، وإذا كان لذلك من دلالة فهى أن هذا الخيار أبعد ما يكون عن التفكير المصرى الرسمى وإن كان ذلك لا ينفى فى الوقت ذاته ما تفضل الدبلوماسية المصرية التعاطى به مع الأزمة وهو أن كل الخيارات مفتوحة! بمعنى آخر أن مثل هذا الخيار هو المسكوت عنه فى الخطاب السياسى المصرى تجاه أزمة سد النهضة، ولذلك ربما يكون من الأفضل البناء على ما قدمه ترامب وتطويره ليكون أمرا فى صالح الموقف المصرى أمام أثيوبيا والعالم!

[email protected],com